باب فى الرجل يتداوى
حدثنا حفص بن عمر النمرى حدثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال أتيت النبى -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا فقالوا يا رسول الله أنتداوى فقال « تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم ».
التيسير ورفع الحرج مبدأ من مبادئ الإسلام، وقد ظهر هذا جليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يقول أسامة بن شريك رضي الله عنه: "شهدت الأعراب" وهم سكان الصحراء، "يسألون النبي صلى الله عليه وسلم: أعلينا حرج في كذا؟" أي: أعلينا إثم في كذا؟ "فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: عباد الله، وضع الله الحرج"، أي: الإثم عما سألتموه من الأشياء، "إلا من اقترض من عرض أخيه شيئا"، والمعنى: وضع الله الحرج عمن فعل شيئا مما ذكرتم إلا من اغتاب أخاه، أو سبه، أو آذاه في نفسه، وعبر عنه بالاقتراض؛ لأنه يسترد منه في الآخرة، "فذاك الذي حرج"، أي: فذلك الذي حرام، وهو ما يوقع في الإثم، قالت الأعراب: "يا رسول الله، هل علينا جناح"، أي: إثم، "ألا نتداوى؟"، أي: نترك التداوي والتطبب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله"، أي: اطلبوا العلاج والتطبب وأخذ الدواء، وفي هذا إشارة إلى أن التداوي لا ينافي العبودية، ولا يدع التوكل على الله عز وجل، والمعنى: تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي، بل كونوا عباد الله متوكلين عليه، ومفوضين الأمور إليه؛ "فإن الله سبحانه لم يضع داء"، أي: لم يخلق داء ولا مرضا، "إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم"، أي: الكبر في السن والشيخوخة، وجعله داء تشبيها له؛ فإن الموت يعقبه كالأدواء، أو لأن الكبر هو منبع الأدواء والأمراض، والهرم والشيخوخة اضمحلال طبيعي وطريق إلى الفناء، فلم يوضع له شفاء، والموت أجل مكتوب لا يزيد ولا ينقص، والتداوي يكون بما أحله الله وليس بما حرمه
قالت الأعراب: "يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد؟" أي: ما أفضل ما يعطيه الله للعبد في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق حسن"؛ فحسن الخلق دليل على حسن الدين، ولأنه تطبيق عملي لشريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: الزجر والتغليظ في الخوض في أعراض الناس والنيل منها بالباطل
وفيه: الحث على التداوي بما أحله الله، وأن ذلك لا يخرج عن التوكل على الله
وفيه: فضل حسن الخلق