باب في الدعاء في الركوع والسجود
حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا عبدة، عن عبيد الله، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة، رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلمست المسجد، فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان، وهو يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في التقرب إلى الله بقيام الليل، ويكثر الدعاء والتضرع، وفي هذا الحديث تقول عائشة رضي الله عنها: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش"، أي: إنها كانت ليلتها، فاستيقظت من الليل فلم تجد النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه، "فالتمسته"، أي: جعلت تطلبه بيدها وتبحث أين هو، "فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"، أي: لمست بيدها قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حال سجوده، ويدعو ويقول: "اللهم أعوذ برضاك من سخطك"، أي: ألجأ وأستجير بما ترضى به عني مما تسخط وتغضب به علي
"وبمعافاتك من عقوبتك"، أي: ألجأ وأستجير بما تعفو به عني مما يقع به عقوبة منك، "وأعوذ بك منك"، أي: وألجأ وأستجير بكل صفة مرغوب فيها من صفات الله، من كل صفة مرهوب منها من صفات الله، "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، أي: لا أستطيع أن أوفيك الشكر والحمد على نعمك وأفضالك، وأنت يا رب، كما أثنيت على نفسك، وهذا اعتراف بالعجز عن أداء شكر النعم
وفي الحديث: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بالقيام والصلاة لله في جوف الليل
وفيه: وقوع الغيرة بين الضرائر؛ حتى عند الفضليات الصالحات وأمهات المؤمنين
وفيه: إثبات صفتي الرضا والسخط لله تعالى؛ والاستعاذة بصفات الله تعالى؛ فإن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوف واحد ورب واحد، فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف بهما منه