باب فى القدر
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عثمان بن غياث قال حدثنى عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قال لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر وما يقولون فيه فذكر نحوه زاد قال وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال يا رسول الله فيما نعمل أفى شىء قد خلا أو مضى أو شىء يستأنف الآن قال « فى شىء قد خلا ومضى ». فقال الرجل أو بعض القوم ففيم العمل قال « إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة وإن أهل النار ييسرون لعمل أهل النار ».
كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيل الشبهات والشكوك من صدور أمته، فيعلمهم ويوضح لهم ما يجلي الأمور، وخاصة فيما يتعلق بفهم العقيدة الصحيحة في الله سبحانه وقدره وقضائه
وفي هذا الحديث يقول يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن: «لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر»، أي: عن الإيمان به، «وما يقولون فيه»، وعن الشبهات التي تذكر فيه وفي موضوعه، وما يقول القدرية، «فذكر نحوه، زاد"، هذا من كلام المصنف، ويقصد به الإشارة إلى حديث سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والقدر، ثم قال ابن عمر رضي الله عنهما: «سأل رجل من مزينة»، وهي من القبائل العربية القديمة، وكانت منازلها على الطريق الممتدة بين المدينة النبوية ومكة المكرمة، «أو جهينة»، وهي قبيلة عربية قديمة، وكانت تسكن في سهل تهامة الممتد من اليمن إلى قرب مكة المكرمة، «فقال: يا رسول الله، فيما نعمل؟»، أي: في أي أمر نعمل؟ «أفي شيء قد خلا- أو مضى- أو شيء يستأنف الآن؟»، وهذا سؤال عما قدره الله للناس، وهل هو أمر قد قضاه الله وانتهى من تحديد مصير العباد، أم هو أمر ينبني على ما يفعله العبد ثم يحدد مصيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «في شيء قد خلا ومضى»، أي: إن أمر العباد قد قضي أزلا عند الله عز وجل، «فقال الرجل- أو بعض- القوم: ففيم العمل؟!» أي: فلماذا يعمل الناس وقد قدر الله مصيرهم سلفا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وإن أهل النار ييسرون لعمل أهل النار»؛ وذلك لأن الخير والشر أوضحه الله للجميع؛ فكل يعمل على بصيرة ويختار ما يريد، فمن اختار عمل أهل الجنة وفقه الله لذلك، ثم أدخله الجنة، وهو سبحانه يعلم أزلا أنه من أهلها، وكذلك من اختار لنفسه عمل أهل النار تركه الله حتى يدخله النار يوم القيامة، وهو سبحانه يعلم أزلا أنه سيعمل بعمل أهل النار، كما قال تعالى في كتابه: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} [الليل:5- 10]
وفي الحديث: أن الإيمان بالقدر لا ينافي العمل
وفيه: رد على من يعلق تقصيره على القدر؛ لأن الله خلق الإنسان وهداه إلى معرفة الخير والشر