باب فى الكرع
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنى فليح عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله قال دخل النبى -صلى الله عليه وسلم- ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحول الماء فى حائطه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن كان عندك ماء بات هذه الليلة فى شن وإلا كرعنا ». قال بل عندى ماء بات فى شن.
كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهم وفي بساتينهم؛ ليكرموه، فيدعو لهم ويعلمهم أمور دينهم
وفي هذا الحديث يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مع أحد أصحابه -هو أبو بكر الصديق- على رجل من الأنصار، وكان الجو شديد الحرارة، كما في رواية أخرى للبخاري، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كان عندك ماء بات هذه الليلة»، أي: إنه سأله: هل عنده ماء باق من الليل في شنة، وهي القربة البالية؟ وهي أكثر تبريدا للماء من غيرها، أو أنه يكره الشرب من الماء الساخن، فإن لم يكن عندك كرعنا، والكرع تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف، وهذا الفعل كان لضرورة شرب الماء الذي ليس ببارد، فيشرب بالكرع لضرورة العطش؛ لئلا تكرهه نفسه إذا تكررت الجرع؛ فقد لا يبلغ الغرض من الري، فقال الرجل: يا رسول الله، عندي ماء بائت، فانطلق الرجل إلى العريش، وهو المكان المسقف من البستان بالأغصان، وذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فسكب بعض الماء البارد في إناء، وحلب عليه داجنا له، وهي الشاة التي تكون في البيت، وهذا الحلب على الماء البارد إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم منه وصاحبه الذي كان معه
وقد نبه هذا الحديث على حفظ النفس وإعطائها حقها مما يصلحها؛ فإن الماء الحار يوهن الأمعاء، ويفسد الهضم، والماء البارد يقوي الشهوة، ويشد المعدة
وفي الحديث: أنه لا بأس بطلب الماء البارد
وفيه: قصد الرجل الفاضل بنفسه حيث يعرف مواضعه عند إخوانه
وفيه: مشروعية خلط اللبن بالماء عند الشرب