باب فى النهى عن السعى فى الفتنة
حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل عن أبى موسى الأشعرى قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والماشى فيها خير من الساعى فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة فإن دخل - يعنى على أحد منكم - فليكن كخير ابنى آدم ».
حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من كل الشرور، كما أخبرها بأمور الخير التي تنفعها في دينها ودنياها، ومما حذرنا منها صلى الله عليه وسلم فتن آخر الزمان، وقد بين كيف نستعصم بالدين إذا حلت بنا، وفي هذا الحديث بيان لبعض هذه المعاني، حيث يخبر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم»، وهذا كناية عن شدتها وضررها وشمولها لكل من شهدها، فكأن كل واحدة من تلك الفتن قطعة من الليل المظلم والالتباس. والمراد بالفتنة: هي التي يخلط فيها الحق بالباطل بين أهل الإسلام، فيصعب على المطلع الفصل والتمييز فيها، «يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا»؛ وذلك لهولها وعظمها، فتحتار معها العقول، فيصبح محرما لدم أخيه وعرضه وماله، ويمسي مستحلا لكل ذلك من شدة الفتن
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم وجوه النجاة منها، فقال: «القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي»، وهذا بيان لعظيم خطر هذه الفتن، مع الحث على تجنبها والهرب منها، وعدم المشاركة فيها بقول أو فعل، وأن شرها يكون على حسب التعلق بها؛ فكلما بعد الإنسان من مباشرتها كان خيرا له، «فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم»، أي: اكسروا آلات الحرب؛ مثل أقواس السهام، واقطعوا أوتارها التي تطلق السهام، «واضربوا بسيوفكم الحجارة»، أي: ليكسر بذلك حدته؛ ليسد الإنسان على نفسه باب القتال والفتن، وحتى لا تغريه أدوات الحرب على الدخول فيه؛ «فإن دخل على أحدكم»، أي: إن دخل على أحدكم أحد في مكان وجوده يريد قتله، «فليكن كخير ابني آدم»، أي: فليكن مثل هابيل عندما أراد أخوه قتله، فلم يدفعه بقتال حتى كان هو المقتول
وفي رواية أبي داود: "قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم"، والأحلاس جمع حلس، وهو كساء يلي ظهر البعير يفرش تحت القتب وهو رحل صغير على قدر السنام، والمراد: الأمر بلزوم البيوت وعدم الخروج منها، وعدم الدخول في الفتنة، وبيان أن الصبر على الموت في الفتن أحسن من الحركة والدخول فيها؛ لكون الحركة تزيد الفتنة اشتعالا. وهذا إتمام لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المشاركة في الفتنة حتى لو كان فيها مقتله فليكن فيها المقتول خير من أن يكون فيها القاتل
وفي الحديث: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه: التحذير من الإيمان الذي يشوبه النفاق، والتحرز منه كلما تقدم الزمان
وفيه: التحذير من الدخول في الفتن الغامضة التي لا يظهر فيها الحق من الباطل