باب فى تقبيل الحجر
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله فقال إنى أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك.
الحجر الأسود حجر كريم، أنزله الله سبحانه وتعالى من الجنة، فكان يقبله النبي صلى الله عليه وسلم؛ واتباعا لهديه نقبله ونستلمه ونشير إليه، وإن كان حجرا لا يضر ولا ينفع
وفي هذا الحديث بيان لتسليم الصحابة وشدة إيمانهم؛ فيخبر أسلم، مولى عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقبل الحجر الأسود، وهو الموجود في البيت الحرام، ومكانه في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج، وهو في غطاء من الفضة في أيامنا هذه. وقد أوضح عمر رضي الله عنه أن سبب تقبيله لهذا الحجر رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم يقبله، ولولا ذلك ما قبله عمر رضي الله عنه؛ لعلمه أنه حجر لا يضر ولا ينفع بذاته، وإنما النفع بالثواب الذي يحصل بامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والاستنان بتقبيله. وقيل: إنما قال عمر ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله في الجاهلية، فأراد أن يعلمهم أن استلام الحجر لا يقصد به إلا تعظيم الله تعالى، والوقوف عند أمر نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن ذلك من شعائر الحج.
وهذا لأجل أن الله تعالى فضل بعض الأحجار على بعض، وبعض البقاع على بعض، وبعض الليالي والأيام على بعض، وإنما شرع تقبيل الحجر إكراما وإعظاما لحقه، وليعلم بالمشاهدة من يطيع في الأمر والنهي، وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم عليه السلام
ثم يوضح عمر رضي الله عنه أنه إنما شرع الرمل -وهو الإسراع في الطواف في الأشواط الثلاثة الأولى- في الأصل؛ بسبب أن المشركين أشاعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قد أضعفتهم حمى يثرب، فراءينا به المشركين، من المراءاة، أي: أردنا أن نظهر القوة للمشركين بالرمل؛ ليعلموا أنا لا نعجز عن مقاومتهم، ولا نضعف عن محاربتهم؛ تكذيبا لإشاعتهم الباطلة. أما الآن فقد هزم الله الشرك وأهله، وفتحت مكة، وزال السبب الداعي إلى الرمل، ولكنه بقي سنة مشروعة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفعلها؛ اقتداء به، وعملا بسنته
وكل ما قاله عمر هنا إنما هو من حديثه مع نفسه؛ لبيان أن أمر الدين مبني على التصديق والاتباع، وليس كلامه اعتراضا على أفعال المناسك؛ ولذلك استدرك على نفسه، فقال: شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه، بل علينا أن نتبعه
وفي الحديث: قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم تعلم الحكمة فيه
وفيه: مشروعية تقبيل الحجر الأسود، والإشارة إلى النهي عن تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله من الأحجار وغيرها
وفيه: بيان السنن بالقول والفعل
وفيه: أن على الإمام إذا خشي فساد اعتقاد أحد بسبب فعل ما؛ أن يبادر إلى بيان الأمر وتوضيحه
وفيه: إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار؛ إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم
وفيه: أن في الشرع ما هو تعبد محض، وما هو معقول المعنى