باب فى صلاة الليل
حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال : طلقت امرأتى فأتيت المدينة لأبيع عقارا كان لى بها فأشترى به السلاح وأغزو فلقيت نفرا من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- فقالوا : قد أراد نفر منا ستة أن يفعلوا ذلك فنهاهم النبى -صلى الله عليه وسلم- وقال : « لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ». فأتيت ابن عباس فسألته عن وتر النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال : أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأت عائشة رضى الله عنها. فأتيتها فاستتبعت حكيم بن أفلح فأبى فناشدته فانطلق معى فاستأذنا على عائشة فقالت : من هذا قال : حكيم بن أفلح. قالت : ومن معك قال : سعد بن هشام. قالت : هشام بن عامر الذى قتل يوم أحد قال قلت : نعم. قالت : نعم المرء كان عامرا. قال قلت : يا أم المؤمنين حدثينى عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قالت : ألست تقرأ القرآن فإن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن. قال قلت : حدثينى عن قيام الليل قالت : ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قال قلت : بلى. قالت : فإن أول هذه السورة نزلت فقام أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انتفخت أقدامهم وحبس خاتمتها فى السماء اثنى عشر شهرا ثم نزل آخرها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال قلت : حدثينى عن وتر النبى -صلى الله عليه وسلم-. قالت : كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا فى الثامنة ثم يقوم فيصلى ركعة أخرى لا يجلس إلا فى الثامنة والتاسعة ولا يسلم إلا فى التاسعة ثم يصلى ركعتين وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا فى السادسة والسابعة ولم يسلم إلا فى السابعة ثم يصلى ركعتين وهو جالس فتلك هى تسع ركعات يا بنى ولم يقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة يتمها إلى الصباح ولم يقرإ القرآن فى ليلة قط ولم يصم شهرا يتمه غير رمضان وكان إذا صلى صلاة داوم عليها وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة. قال : فأتيت ابن عباس فحدثته. فقال : هذا والله هو الحديث ولو كنت أكلمها لأتيتها حتى أشافهها به مشافهة. قال قلت : لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على صلاة الليل والوتر، وكان لا يترك الوتر مقيما أو مسافرا
وهذه عدة روايات فيها بيان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الوتر؛ حيث تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل"، أي: بعضه، "ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس"، أي: يصلي خمس ركعات بنية الوتر، "لا يجلس إلا في آخرهن"، أي: كان لا يجلس للتشهد إلا في آخر ركعة"
وكحديث عائشة رضي الله عنها: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات"، أي: يصليهن متواليات، "لا يجلس فيها إلا في الثامنة" بعد الانتهاء منها يجلس جلوسا خفيفا؛ للراحة والتشهد، "فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض"، أي: يقوم واقفا، "ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه" ويتشهد، "ثم يسلم تسليما يسمعناه"، أي: يسلم تسليم نهاية الصلاة، ويرفع صوته؛ ليسمع من حوله، "ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد؛ فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: كبر سنه، "وأخذه اللحم"، أي: ملأ اللحم جسده وثقل، "أوتر بسبع"، أي: قلل عدد الركعات إلى سبع فقط، "وصنع في الركعتين مثل صنعه في الأولى"، أي: يصلي ركعتين وهو جالس بعد الانتهاء من صلاة السبع ركعات
"وفي لفظ عنها"، أي: وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم، أوتر بسبع ركعات، لم يجلس إلا في السادسة" للتشهد الأول، "والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة" بعد التشهد الثاني والانتهاء من الركعة السابعة
"وفي لفظ: صلى سبع ركعات، لا يقعد إلا في آخرهن"، فيتشهد تشهدا واحدا ويسلم. وذلك كله راجع إلى اختلاف حالاته، وأغلبها: إحدى عشرة؛ وقد تعددت صفة وتر النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كيفية أدائها وعدد ركعاتها، ومن مجموعها يتبين أن الوتر يكون بواحدة، وبثلاث، وبخمس، وبسبع، وبتسع، وبإحدى عشرة، فإن أوتر بثلاث فله صفتان كلتاهما مشروعة؛ الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد، والثانية: أن يسلم من ركعتين ثم يوتر بواحدة
أما إذا أوتر بخمس أو بسبع فإنها تكون متصلة، ولا يتشهد إلا تشهدا واحدا في آخرها ويسلم، كما في هذا الحديث. وأما إذا أوتر بتسع فإنها تكون متصلة، ويجلس للتشهد في الثامنة، ثم يقوم ولا يسلم، ويتشهد في التاسعة ويسلم. وإن أوتر بإحدى عشرة، فإنه يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة
وفي الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد في قيام الليل
وفيه: أن صلاة الوتر ليست مختصة بركعة واحدة
وفيه: مشروعية وصل ركعات الوتر الثلاث، أو الخمس، أو السبع بتشهد واحد