باب فيما أنكرت الجهمية 18
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله يقول: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول:حدثني النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه"، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا على دينك"، قال: "والميزان بيد الرحمن، يرفع أقواما، ويخفض آخرين إلى يوم القيامة" (1).
قُلوبُ العِبادِ بين يَديِ الرَّحمنِ يُقلِّبُها كيفَ يَشاءُ؛ ولذلك كان أكثرُ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثَبِّتْ قلبي على دِينِك"؛ وذلك طلَبًا للثَّباتِ على الدِّينِ خوفًا مِن الزَّيغِ أو الضَّلالِ، كما يَقولُ التَّابعيُّ شَهْرُ بنُ حَوشَبٍ في هذا الحديثِ: "قلتُ لأمِّ سَلمةَ: يا أمَّ المؤمنين، ما كان أكثَرُ دُعاءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أيُّ دعاءٍ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدْعو به كثيرًا؟ "إذا كان عِندَك"، أي: وهو عِندَك في بيتِك، "قالت"، أي: قالَت أمُّ سَلمةَ: "كان أكثَرُ دُعائِه"، أي: كان أكثَرُ دُعاءٍ يَدْعو به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مُقلِّبَ القلوبِ"، أي: يا مَن بِيَدِك أمرُ القلوبِ، فأنت تُقلِّبُ أحوالَها كيفَما تَشاءُ بينَ الإيمانِ والكفرِ، وبين الطَّاعةِ والمعصيةِ، وبينَ التَّنبُّهِ والغفلةِ، "ثبِّتْ قلبي على دينِك"، أي: اجعَلْ قلبي ثابتًا على طاعتِك وعلى دينِك، ولا تجعَلْه يَنحَرِفُ عن طَريقِك، "قالت: فقلتُ"، أي: فقالت أمُّ سلمةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا رسولَ اللهِ، ما أكثَرَ دُعاءَك: يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّت قلبي على دينِك!"، أي: كأنَّ أمَّ سلَمةَ تتَعجَّبُ مِن إكثارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن هذا الدُّعاءِ، فقالَت له: لِمَ تُكثِرُ مِن هذا الدُّعاءِ يا رسولَ اللهِ؟! "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: يا أمَّ سلمةَ، "إنَّه ليس آدَميٌّ إلَّا وقَلبُه بين أُصبَعَينِ مِن أصابعِ اللهِ"، أي: كلُّ أحدٍ مِن بَني آدمَ قَلبُه بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ يتَصرَّفُ فيه كيفَما يشاء، "فمن شاء أقام"، أي: فمن شاء اللهُ أقام قلبَه على الهدى، وثبَّتَه على الدِّينِ، "ومَن شاء أزاغ"، أي: ومَن شاء اللهُ صرَف قلبَه عن الهدى إلى الزَّيغِ والضَّلالِ، "فتَلا مُعاذٌ"، أي: قرَأ معاذُ بنُ معاذِ بنِ نصرِ بنِ حسَّانَ التَّميميُّ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، أي: يا ربِّ ثَبِّت قُلوبَنا على طاعتِك، ولا تَصرِفْها عن طَريقِك بعدَ هِدايَتِك لنا.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ والهدى.
وفيه: بيانُ أنَّ جميعَ قُلوبِ بَني آدمَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إنْ شاء هَداها، وإن شاء أزاغَها.