باب في الحائض كيف تغتسل 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت صفية تحدثعن عائشة أن «أسماء» سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الغسل من المحيض، فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر، فتحسن الطهور، أو تبلغ في الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها" قالت أسماء: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله! تطهري بها" قالت عائشة - كأنها تخفي ذلك-: تتبعي بها أثر الدم، قالت: وسألته عن الغسل من الجنابة، فقال: "تأخذ إحداكن ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور، حتى تصب الماء على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض الماء على جسدها". فقالت عائشة: نعم النساء كن نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين (1).
علَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّساءَ كيفيَّةَ التطهُّرِ والاغتسالِ مِن الحَيضِ والدَّمِ، وذكَرَ كيفيَّةَ ذلك بأسلوبٍ راقٍ ومُهذَّبٍ مراعًى فيه الحَياءُ، وقد علَّم نِساءَه كلَّ ذلك؛ لِيُعلِّمْنَه نِساءَ المسلِمينَ
.وفي هذا الحديثِ تخبِرُ عائشةُ أمُّ المؤمنينَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ امرأةً، قيل: هي أسماءُ بنتُ شَكَلٍ، وقيل غيرُها، جاءتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسألَتْه عن كيفيَّةِ غُسلِها بعْدَ انقطاعِ الحيْضِ، فذَكَرَ لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَيفيَّةَ الغُسلِ، فأمَرَها أن تأخُذَ قِطعةً مِن صُوفٍ أو قُطنٍ عليها مِن طِيبِ المِسكِ، ثمَّ تطهِّرَ بها مَوضعَ الدَّمِ، ولكنَّ المرأةَ لم تَفهَمْ هذه الكَيفيَّةَ، وسألتْ مرَّةً أخرى كيف تطهرُ بهذه القِطعةِ المُطَيَّبةِ مِن القُطنِ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سبحانَ اللهِ! تطَهَّري»، فتَعجَّب صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عدَمِ مَعرفتِها كيفَ تتطهَّرُ بها، وهو أمرٌ ظاهرٌ لا يَجهلُه أحدٌ، وعندَ ذلك اجتبَذَتْها عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها، أمْسَكَتْها وضمَّتْها إليها، وقالتْ لها: تتبَّعِي بها أثرَ الدَّمِ، فاجعليها في الفَرْجِ وحيثُ أصابَ الدَّمُ؛ لِلتَّنظيفِ، ولِقطْعِ رائحةِ الأذَى مِن دمِ الحَيضِ.وفي الحديثِ: ما كان عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الحَياءِ ومَحاسِنِ الأخلاقِ.وفيه: استِعمالُ الحَياءِ عندَ ذِكْرِ العَوْراتِ، خُصوصًا فيما يَذكُرُه الرِّجالُ بحَضرةِ النِّساءِ، والنِّساءُ بحَضرةِ الرِّجالِ، والتعريضُ بالألْفاظِ المستقبَحةِ، وتجنُّبُ ذِكرِها، والانقباضُ والاستحياءُ عندَ ذلِك، وترْكُ التَّصريحِ بها.وفيه: بيانُ دَورِ المرأةِ العاقلةِ العالِمةِ في تَوصيلِ المفاهيمِ، وتعليمِ غَيرِها مِن النِّساءِ.