باب فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهيا 2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن ابن سيرين
عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة كانت في المسجد يستند إليها، فخرج سرعان الناس يقولون: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يقولا له شيئا، وفي القوم رجل طويل اليدين، يسمى ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "لم تقصر ولم أنس". قال: فإنما صليت ركعتين، فقال: "أكما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: نعم. قال: فقام فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم (3).
الصَّلاةُ عِبادةٌ رُوحيَّةٌ، وفيها يَقِفُ العبدُ بيْن يَدَيْ ربِّه سُبحانه وتعالى، ويَلْزَمُ فيه الخُشوعَ والتَّدبُّرَ وعدَمَ الانشغالِ بأحوالِ الدُّنيا، ولكنَّ الإنسانَ قد يَسْهو فيها، فيَنقُصُ أو يَزيدُ في بَعضِ أفعالِها، وهذا السَّهوُ يَحتاجُ إلى ما يَجْبُرُه، وقد شرَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَجدَتَيِ السَّهوِ لمِثلِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى بهم إحدى صَلاتَيِ العَشِيِّ: الظُّهرَ أوِ العصرَ، فصلَّى رَكعتينِ ثُمَّ سلَّمَ، ثُمَّ قام فاتَّكأَ إلى خَشبةٍ مَوضوعةٍ بِعُرضِ المسجدِ، ووضَعَ يَدَه اليُمنَى على اليُسرى وشَبَّكَ بيْن أصابعِه، ووضَعَ خدَّه الأيمنَ على ظَهْرِ كَفِّه اليُسرى، كأنَّه مُغضَبٌ، وكان قد خرَجَ مِن المسجدِ الَّذينَ عادتُهم أنْ يَخرُجوا سَريعًا بعدَ الصَّلاةِ؛ ظَنًّا منهم أنَّ الصَّلاةَ أصبحَتْ رَكعتينِ، وكان أبو بَكرٍ وعُمرُ رَضيَ اللهُ عنهما مِمَّنْ صلَّى خلْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنَّهما خَشِيَا تَكليمَه في هذا الأمرِ مَهابةً واحترامًا له، فكلَّمَه رجُلٌ يُقالُ له: ذو اليدينِ، فقال له: يا رسولَ الله، أَنَسيتَ أمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لم أَنْسَ ولم تُقْصَرْ، وهذا ظنٌّ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لم يَقَعْ في السَّهوِ، ثُمَّ سَأَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المصلِّينَ وَراءهَ: هل حدَثَ أنِّي صلَّيتُ اثنتينِ فقطْ؟ فقالوا: نعمْ، فتَقدَّمَ إلى مَكانِ الإمامِ، فصلَّى رَكعتينِ تَكملةً للأربعةِ المفروضةِ، ثمَّ تَشهَّدَ، ثُمَّ سلَّمَ، ثُمَّ كبَّرَ وسجَدَ لِلسَّهوِ سَجدتينِ ثمَّ سلَّمَ، وتَكونُ السَّجدتانِ جَبْرًا لِلسَّهوِ والنِّسيانِ وجَبْرِ ما فاتَه مِن نَقْصٍ، كما تَكونانِ تَرغيمًا للشَّيطانِ إذا لم يكُنْ نقَصَ شَيئًا في صَلاتِه، فالشَّيطانُ لبَّسَ على المسلِمِ صَلاتَه وتَعرَّضَ لإفسادِها ونَقْصِها، فجَعَلَ اللهُ تعالَى للمُصلِّي طَريقًا إلى جَبْرِ صَلاتِه وتَدارُكِ ما لَبَّسَه عليه، وإرغامِ الشَّيطانِ ورَدِّه خاسئًا مُبعَدًا عن مُرادِه، وكَمَلَت صَلاةُ ابنِ آدَمَ.
وفي الحَديثِ: أهمِّيَّةُ سُجودِ السُّهوِ، ومَشروعيَّتُه قبْلَ التَّسليمِ.