باب ما جاء في عيادة المريض 3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من حق المسلم على المسلم: رد التحية، وإجابة الدعوة، وشهود الجنازة، وعيادة المريض، وتشميت العاطس إذا حمد الله" (2).
أقامَ الإسلامُ مُجتمَعًا مُتماسِكًا مُترابطًا، المسلمُ فيه أخو المسلِمِ، له عندَه حُقوقٌ، وعليه تُجاهَه واجباتٌ.
وفي هذا الحديثِ يُرشِدُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بَعضِ الحُقوقِ الَّتي للمُسلِمِ على أخيه المسلِمِ، والحقُّ بمعنى حَقِّ الحُرمةِ والصُّحبةِ، ويَسْتوي في هذه الخَمسِ جَميعُ المسلمينَ؛ بَرُّهُم وفاجِرُهم. فذَكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذه الحقوقَ خَمْسُ خِصالٍ؛ وهي: ردُّ السَّلامِ، أي: إعادتُه لِمَن ابتدَأَ به، وهو أنْ يَقولَ له: «وعليكمُ السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه»، وهو لازمٌ على المسلمِ تُجاهَ أخيهِ إنْ ألْقاهُ عليه وهو مُنفرِدٌ ليس معه غيرُه، فيَتعيَّنُ عليه ردُّ السَّلامِ، وأمَّا إنْ كان في جَماعةٍ فيَكْفي أنْ يَرُدَّ بَعضُهم ولا يَلزَمُ أن يرُدَّ الجَميعُ، ويُستثنَى مِن ذلك إنْ كان في حالةٍ يَمتنِعُ الرَّدُّ معها؛ كما لو كان في الصَّلاةِ أو في الخَلاءِ.
والخَصلةُ الثانيةُ: عِيادةُ المريضِ وزِيارتُه، والاطمئنانُ عليه، والسُّؤالُ عنه، والدُّعاءُ له، بشَرْطِ ألَّا يَضُرَّه بزِيارتِه؛ كأنْ يُطيلَ الجلوسَ عندَه، أو يَضُرَّ نفْسَه؛ كأنْ يكونَ مَريضًا بمَرضٍ مُعْدٍ، فيَكْتفي بالسُّؤالِ عنه والدُّعاءِ له دونَ زِيارتِه. وفي العادةِ تكونُ عِيادتُه لأخيهِ سَببًا لتَقويةِ أواصرِ الحبِّ، وربَّما تكونُ سَببًا لوُجودِ نَشاطِه، وانتعاشِ قوَّتِه.
والخَصلةُ الثالثةُ: اتِّباعُ جِنازةِ المسلِمِ إذا مات، ويكونُ ذلك بالصَّلاةِ عليهِا، والمشْيِ خلْفَها إلى حِينِ دَفنِها، والدُّعاءِ للمَيتِ بالرَّحمةِ والمَغفرةِ.
والخَصلةُ الرابعةُ: إجابةُ الدَّعوةِ إذا دَعاهُ إلى وَليمةِ النِّكاحِ أو غَيرِها، وتَلبيتُها مِن بابِ الأُلفةِ وحُسنِ الصُّحبةِ، ما لم يكُنْ هناك مانعٌ شَرْعيٌّ أو عُرفيٌّ.
والخَصلةُ الخامسةُ: تَشميتُ العاطسِ، أي: الدُّعاءُ له إذا حَمِدَ اللهَ، وهو قولُ: يَرْحَمُك اللهُ، ومِن فَوائدِ التَّشميتِ تَحصيلُ الموَدَّةِ، وتَأليفُ القلوبِ، وتَأديبُ النفْسِ بكسْرِها عنِ الكِبرِ، والحمْلِ على التواضعِ؛ لِما في ذِكرِ الرَّحمةِ مِن الإشعارِ بالذَّنْبِ الذي لا يَخْلو منه أكثرُ المكلَّفِينَ؛ فبيَّن هذا الحديثُ الجليلُ بَعضَ حُقوقِ المسلمِ على أخيهِ المُسلمِ، وهذه الحُقوقُ إذا قام بها النَّاسُ بَعضُهم مع بعضٍ، تَزيدُ مِن الأُلفةِ والموَدَّةِ، وتُزيلُ مِن القلوبِ والنُّفوسِ الضَّغائنَ والأحقادَ.
وذِكرُ هذه الحُقوقِ الخَمسةِ في هذا الحديثِ لا يَعْني الحصْرَ؛ فهناك حُقوقٌ أُخرى للمُسلِمِ على أخيهِ المسلمِ وَرَدَت في رِواياتٍ أُخرى؛ ففي رِوايةِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما في الصَّحيحَينِ زاد على الخمْسِ المذكورةِ: «نَصْرَ المَظلومِ، وإبرارَ القسَمِ». وزاد مُسلمٌ في رِوايةٍ أُخرى في صَحيحِه: «وإذا استَنْصَحَك فانْصَحْ له».