باب فيمن قدم شيئا قبل شىء فى حجه
حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن الشيبانى عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال خرجت مع النبى -صلى الله عليه وسلم- حاجا فكان الناس يأتونه فمن قال يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا. فكان يقول « لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذى حرج وهلك ».
التيسير ورفع الحرج مبدأ من مبادئ الإسلام، وقد ظهر هذا جليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يقول أسامة بن شريك رضي الله عنه: "شهدت الأعراب" وهم سكان الصحراء، "يسألون النبي صلى الله عليه وسلم: أعلينا حرج في كذا؟" أي: أعلينا إثم في كذا؟ "فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "عباد الله، وضع الله الحرج"، أي: الإثم عما سألتموه من الأشياء، "إلا من اقترض من عرض أخيه شيئا"، والمعنى: وضع الله الحرج عمن فعل شيئا مما ذكرتم إلا من اغتاب أخاه، أو سبه، أو آذاه في نفسه، وعبر عنه بالاقتراض؛ لأنه يسترد منه في الآخرة، "فذاك الذي حرج"، أي: فذلك الذي حرام، وهو ما يوقع في الإثم، قالت الأعراب: "يا رسول الله، هل علينا جناح"، أي: إثم، "ألا نتداوى؟"، أي: نترك التداوي والتطبب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله"، أي: اطلبوا العلاج والتطبب وأخذ الدواء، وفي هذا إشارة إلى أن التداوي لا ينافي العبودية، ولا يدع التوكل على الله عز وجل، والمعنى: تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي، بل كونوا عباد الله متوكلين عليه، ومفوضين الأمور إليه؛ "فإن الله سبحانه لم يضع داء"، أي: لم يخلق داء ولا مرضا، "إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم"، أي: الكبر في السن والشيخوخة، وجعله داء تشبيها له؛ فإن الموت يعقبه كالأدواء، أو لأن الكبر هو منبع الأدواء والأمراض، والهرم والشيخوخة اضمحلال طبيعي وطريق إلى الفناء، فلم يوضع له شفاء، والموت أجل مكتوب لا يزيد ولا ينقص، والتداوي يكون بما أحله الله وليس بما حرمه.
قالت الأعراب: "يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد؟" أي: ما أفضل ما يعطيه الله للعبد في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق حسن"؛ فحسن الخلق دليل على حسن الدين، ولأنه تطبيق عملي لشريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: الزجر والتغليظ في الخوض في أعراض الناس والنيل منها بالباطل
وفيه: الحث على التداوي بما أحله الله، وأن ذلك لا يخرج عن التوكل على الله
وفيه: فضل حسن الخلق