باب فيمن نذر أن يتصدق بماله
حدثنى عبيد الله بن عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرى عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبى -صلى الله عليه وسلم- أو أبو لبابة أو من شاء الله : إن من توبتى أن أهجر دار قومى التى أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالى كله صدقة. قال : « يجزئ عنك الثلث ».
رواية أبي داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وحديث أبي لبابة أورده الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد وأبي داود وسكت عنه . وأخرج أبو داود من طريق ابن أبي عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، وفيه { وأن أنخلع من مالي كله صدقة ، قال : يجزي عنه الثلث } قوله : ( أن أنخلع ) بنون وخاء معجمة : أي أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه
وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب : الأول : إنه يلزمه الثلث فقط لهذا الحديث ، قاله مالك ، ونوزع في أن كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه ، بل يحتمل أنه نجز النذر ، ويحتمل أن يكون أراده فاستأذن ، والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وإنما الظاهر أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ما يملك شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه
قال ابن المنير : لم يثبت كعب الانخلاع بل استشار هل يفعل أم لا ؟ . قال الحافظ : ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام . ومن ثم كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة . وقيل : إن كان مليا لزمه ، وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين ، وهذا قول الليث ، ووافقه ابن وهب وزاد : وإن كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله
والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة . وعن الشعبي وابن أبي ليلى لا يلزمه شيء أصلا . وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس وقيل : يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة يمين . وعن سحنون يلزمه أن يخرج ما لا يضر به
وعن الثوري والأوزاعي وجماعة : يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل . وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل . وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ
وقيل : إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال ، فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع ، وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن لم يكن كذلك فلا ، وعليه يتنزل { لا صدقة إلا عن ظهر غنى } وفي لفظ { أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى }