باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل قال وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ريطة (1) كانت عليه على أنفه هكذا. (م 8/ 162 - 163
إنَّ الرُّوحَ غَيْبٌ، وسِرٌّ مِن أسرارِ اللهِ، استأثَرَ بعِلمِه، نَعرِفُ آثارَها، ونَجهَلُ حَقيقتَها، إلَّا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُخبِرُ عنها بما يَنفَعُ المؤمنينَ؛ ليُكثِروا مِن العباداتِ والطَّاعاتِ، ويَكونوا على وجَلٍ مِن الوقوعِ في الكُفرِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن خُروجِ الرُّوحِ مِن جَسدِ الإنسانِ؛ فإنَّها إذا خَرجَتْ رُوحُ المؤمنِ مِن جسَدِه بعْدَ انقضاءِ أجَلِه في الدُّنيا تَلقَّاها واستَقْبَلَها مَلكانِ يُصعِدانِها ويَعْلُوان بها إلى السَّماءِ، قال حمَّادُ بنُ زَيدٍ -وهوَ أَحدُ رُواةِ الحديثِ-: إنَّ شَيخَه بُدَيلَ بنَ مَيْسَرةَ ذَكَر بالسَّندِ إلى أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه مَرفوعًا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وما فيها مِن طِيبِ رائحةٍ، وذِكرُ المِسكِ، يَعني أنَّ رِيحَها يُشبِهُ رائحةَ المِسكِ، وهو مِن أفضَلِ أنواعِ الطِّيبِ، ويَقولُ عنها أَهلُ السَّماء إذا طَلَعَت إليهم هذه الرُّوحُ: رُوحٌ طيِّبةٌ جاءتْ، أي: طَلَعت إلينا مِن قِبَلِ الأرضِ، ثمَّ يَدْعونَ لهذه الرُّوحِ قائلينَ: صلَّى اللهُ عليكِ، أي: أَثنى عَليك في الملأِ الأَعلى عندَ المَلائكةِ المُقرَّبين، وصلَّى اللهُ على جَسدٍ جَعلْتِيه مَعمورًا بالعملِ الصَّالحِ، فيَنطلِقُ به إلى رَبِّه عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَقولُ الرَّبُّ جلَّ في عُلاه للملائكةِ: انطَلِقوا بهذا الرُّوحِ إلى المَكانِ الَّذي أُعدَّ لَه إلى وَقتِ القيامةِ، وظاهرُه أنَّها تَبْقى في نَعيمٍ إلى يومِ المِيعادِ.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن رُوحِ الكافرِ، وأنَّ رُوحَه إذا خَرَجتْ مِن جَسدِه، وذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رائحتَها النَّتنةَ، وذَكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الملائكةَ تَلعَنُها، وهو الدُّعاءُ بالطَّردِ لها مِن رَحمةِ اللهِ سُبحانه، ويَقولُ أهلُ السَّماء: رُوحٌ خبيثةٌ، جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ. ثمَّ يَأمُرُ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلائكتَه أنْ يَذهَبوا بها إلى آخِرِ الأَجلِ، يَعني: اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعِدَّ لَه إلى وَقتِ القيامَةِ.
وقدْ أخبَرَ أَبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِين ذكَرَ رُوحَ الكافرِ ردَّ رَيْطةً كانتْ عليهِ، وهي مِلاءةٌ، وقيلَ: كلُّ ثوبٍ رَقيقٍ، فردَّها على أَنفِه، فأخَذَ طَرَفَها وجَعَله على أنْفِه؛ لئلَّا يَدخُلَ نَتْنُ تلكَ الرُّوحِ الخبيثةِ أنْفَه، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كوشفَ لَه، وشَمَّ مِن نَتنِ رِيحِ رُوحِ الكافرِ، ففَعلَ ذلكَ، وقولُه: «هَكذا»، أي: يُمثِّلُ أبو هُريرةَ ذلكَ الفعلَ.
وفي الحديثِ: بَيانُ ما يَلْقى المؤمنُ مِن الكرامةِ مِن اللهِ عندَ مَوتِه.
وفيه: حُضورُ مَلائكةِ الرَّحمةِ عندَ المؤمنِ في حالةِ احتضارِه، مُبشِّرةً بهذه البَشائرِ العظيمةِ، تَشريفًا له وتَكريمًا.
وفيه: بَيانُ ما يَلْقاهُ الكافرُ مِن الذُّلِّ والهوانِ عندَ خُروجِ روحِه.