باب في الأمر بالإيمان والاستعاذة بالله عند وسوسة الشيطان 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا هذا الله فمن خلق الله قال فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب فقالوا يا أبا هريرة هذا الله فمن خلق الله قال فأخذ حصى بكفه فرماهم به ثم قال قوموا قوموا صدق خليلي - صلى الله عليه وسلم -.
لا يَزالُ الشَّيطانُ يَدفَعُ إلى قُلوبِ مَن لَيستْ لهم بَصيرةٌ بإيرادِ الباطلِ فيها؛ إمَّا وَسوسةً مَحْضَةً، أو على لِسانِ شَياطينِ الإنسِ ومَلاحِدتِهم.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العلاجَ النَّاجعَ لمِثلِ هذه التَّساؤلاتِ، فقال: «يأتي الشَّيطانُ أحدَكم»، فيَبعَثُ في نفْسِه وعَقلِه الشُّكوكَ، ويُثيرُ التَّساؤلاتِ العديدةَ عن حُدوثِ الأشياءِ ومَن أحدَثَها وأوجَدَها، «فيَقولُ: مَن خَلَقَ كذا؟ مَن خَلَقَ كذا؟»، كأنْ يَتساءَلَ: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ ومَن خَلَق الأرضَ؟ ومَن خلَق الجبالَ؟ ومَن خلَقَ الإنسانَ؟ فيُجيبُه ابنُ آدمَ دِينًا وفِطرةً وعقْلًا بقولِه: «اللهُ»، وهذا جَوابٌ بَدَهِيٌّ صَحيحٌ وحقٌّ وإيمانٌ، ولكنَّ الشَّيطانَ لا يَقِفُ عندَ هذا الحدِّ مِن الأسئلةِ والوَساوسِ، بلْ يَنتقِلُ مِن سُؤالٍ إلى سُؤالٍ «حتَّى يقولَ: مَن خلَق ربَّك؟» وهذا مِن التَّشكيكِ في اللهِ سُبحانَه، وكأنَّه أراد مِن الإنسانِ أنْ يُجرِيَ على الخالقِ سُبحانَه صِفاتِ المخلوقاتِ، وأنَّه لا بُدَّ له مِن خالقٍ ومُوجِدٍ أعْلى منه، تعالَى اللهُ عمَّا يُوسوِسُ به الشَّيطانُ عُلوًّا كَبيرًا، وهنا وضَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدَّواءَ النَّافعَ والجوابَ السَّريع لمِثلِ ذلك، بأنَّه إذا وصَل الشَّيطانُ مع الإنسانِ إلى هذا الحدِّ مِن الوَسوسةِ، فلْيَستعِذْ باللهِ منه، ولْيَكُفَّ عن الاستجابةِ له، ولْيَنْتَهِ عن الاسترسالِ معه في ذلك، ولْيَعلَمْ أنَّه يُريدُ إفسادَ دِينه، وفي رِوايةِ مُسلمٍ: «فمَن وجَد مِن ذلك شَيئًا، فلْيقُلْ: آمنتُ باللهِ»، فأرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى دفْعِ هذا السُّؤالِ بأُمورٍ ثلاثةٍ: بالانتهاءِ عن الاسترسالِ، والتَّعوُّذِ مِن الشَّيطانِ، وبالإيمانِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الشَّيطانَ يَتربَّصُ بابنِ آدَمَ حتَّى يُوقِعَه في الشَّرِّ والكفْرِ.
وفيه: تَحذيرٌ مِن الاسترسالِ مع الأسئلةِ الوُجوديَّةِ التي تُؤدِّي إلى الكفْرِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ تَسليمَ الأمرِ للهِ وإرجاعَ القدرةِ إليه، مع الإيمانِ التَّامِّ؛ فيه مَخرَجٌ مِن الوُقوعِ في الكفْرِ باللهِ سُبحانَه.