باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا حماد بن خالد، حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن زيد، قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أشياء، لم يصنع منها شيئا، قال: فأري عبد الله بن زيد الأذان في المنام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «ألقه على بلال»، فألقاه عليه فأذن بلال، فقال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده، قال: «فأقم أنت»
في هذا الحديث يحكي أبو عمير بن أنس بن مالك، عن عمومة له من الأنصار، أنهم قالوا: "اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها"، أي: أهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض شأن الصلاة وشغله كيف يجمع الناس لها، فجعل يشاور أصحابه رضي الله عنهم في كيفية إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وقد كان الناس في أول أمر الصلاة يتجهون إلى المسجد إذا جاء وقتها بلا أذان ولا نداء، ولا غير ذلك
فأشار إليه بعض الصحابة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "انصب راية"، أي: ارفع علما، "عند حضور الصلاة" أي: دخول وقتها، "فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا"، أي: أعلم بعضهم بعضا، "بدخول وقت الصلاة، فلم يعجبه ذلك"، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، "فذكر له القنع، أي: الشبور، وهو البوق الذي ينفخ فيه فيصدر صوتا يسمعه الناس، وقال زياد أحد رواة الحديث: "شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك"، يعني: اتخاذ الشبور والقنع، وقال: "هو من أمر اليهود"، يعني: من شأنهم وأعمالهم؛ فلذلك كرهه النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "فذكر له الناقوس"؛ وهو الجرس، وكان على شكل خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها تجعله النصارى علامة لأوقات صلاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو من أمر النصارى"، أي: من شأنهم وأعمالهم، "فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: وهو منشغل في نفسه بالشأن الذي يشغل رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فأري عبد الله الأذان في منامه" أي: رأى رؤيا تتعلق بشأن الأذان، قال: "فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يعني: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الغداة وهو الصباح، "فأخبره" أي: بما رأى في منامه، فقال له: "يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان"، أي: ينام نوما خفيفا، وقيل: هو حالة الاضطجاع بعد الاستيقاظ من النوم وقبل القيام منه، "إذ أتاني آت فأراني الأذان" أي: علمني إياه، والأذان لغة: الإعلام، وفي الشرع هو: الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة
قال: "وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل"، يعني: قد رأى مثل رؤية عبد الله بن زيد، "فكتمه" أي: الأذان، ولم يخبر به أحدا "عشرين يوما"، قال: "ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: أعلمه بما رأى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منعك أن تخبرني"؟ فقال عمر رضي الله عنه: "سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت"، أي: منعه حياؤه من بث رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله"، يعني: أن يأخذ ألفاظ الأذان من عبد الله بن زيد، "فأذن بلال"، أي: أصبح بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بشر، وهو جعفر بن أبي وحشية: "فأخبرني أبو عمير: أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ"، يعني: اليوم الذي عرض فيه الأذان على رسول الله صلى الله عليه وسلم "مريضا، لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا".
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتا منك"، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بلالا في الأذان لحسن صوته
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من المؤذنين؛ وهم: بلال بن رباح، وابن أم مكتوم القرشي العامري الأعمى، وأبو محذورة أوس بن معير الجمحي، وسعد بن عائذ مولى عمار بن ياسر بقباء- رضي الله عنهم جميعا
وفي الحديث: التشاور في الأمور المهمة، وأن للمتشاورين أن يقول كل واحد منهم ما عنده، ثم صاحب الأمر يفعل ما فيه المصلحة
وفيه: منقبة لعمر بن الخطاب وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما