باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة
حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا معاوية بن صالح، حدثني ضمرة
أن ابن زغب الإيادي حدثه، قال: نزل علي عبد الله بن حوالة الأزدي، فقال لي: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا، فقال: "اللهم
لا تكلهم إلي، فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم، فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس، فيستأثروا عليهم" ثم وضع يده على رأسي -أو قال: على هامتي- ثم قال: "يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك" (2).
أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خيرُ هذِه الأُمَّة في الفَضلِ والمعروف، ومُوافَقَةِ الحَقِّ، والعِلم والعَمل، وكانوا يُجاهِدون في سبيل الله باللِّسانِ وبالسِّنانِ، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حريصًا عليهم ورَؤوفًا رحيمًا بهم، وعَلَّمهم وعلَّم الأُمَّةَ بعدَهم كلَّ شيءٍ.
وفي هذا الحديثِ يقول ابنُ زُغْبٍ الإِيَادِيُّ: "نَزَلَ علَيَّ"، أي: ضَيْفًا، "عبدُ الله بن حَوَالَةَ" وكانتْ له صُحْبَةٌ، نزل الأُردنَّ، ويُقال: سَكَنَ دِمَشْقَ، "الأَزْدِيُّ" نِسْبَةً إلى قَبيلَةِ الأَزْدِ، "فقال" عبدُ الله بن حَوَالَةَ، "لي"، أي: لابنِ زُغْبٍ الإِيادِيِّ: "بَعَثَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم"، أي: إلى غَزْوِ الكُفَّار وقِتالِهم، "لِنَغْنَمَ"، أي: لِيَحْصُلَ لنا مالُ الغنيمة، "على أقدامنا"، أي: نمشي على أَرْجُلِنا ليس لنا ما نَركَبُه، "فَرَجِعْنا" من الغَزْوِ والقِتال سالِمين آمنِين؛ ولكنْ "لمْ نَغْنَمْ شيئًا"، أي: لمْ نُصِبْ شيئًا من الغنيمةِ، "وَعَرَفَ" رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، "الجَهْدَ"، أي: أَثَرَ المَشَقَّةِ والتَّعَبِ في وُجوهِنا، "فقام فينا" رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خَطيبًا داعِيًا، "فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهُمَّ لا تَكِلْهُمْ"، أي: لا تُفَوِّضْهُمْ، "إِلَيَّ، فَأَضْعُفَ عنهم"، أي: عن مَعونَتِهم؛ فإنَّ الإنسانَ خُلِقَ ضعيفًا، "ولا تَكِلْهُمْ إلى أَنْفُسِهم"، أي: لا تُفَوِّضْ أمرهم إلى أَنْفُسِهم، "فَيَعْجِزوا عنها"، أي: عن إعانة أَنْفُسِهم، "ولا تَكِلْهُمْ إلى النَّاس"، أي: لا تُفَوِّضْ أمرهم إلى النَّاس، "فَيَسْتَأْثِرُوا"، أي: فَيَسْتَبِدُّوا ويختاروا ويُرَجِّحوا أَنْفُسَهم عليهم، ثُمَّ وضَع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَدَهُ الشَّريفةَ على رأسي، أي: على رأسِ ابنِ حَوَالَةَ، "أو قال"- الشَّكُّ من الرَّاوِي-: "على هامَتِي"، أي: أعْلَى رأسي، "ثُمَّ قال" رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: يا ابنَ حَوَالَةَ، "إذا رأيتَ الخِلافةَ"، أي: الرِّياسَةَ والوِلايَةَ العامَّة، والمقصودُ هنا خِلافةُ النُّبُوَّةِ، "قد نزلتْ"، أي: صارتْ وانتقلتْ من المدينةِ إلى "أَرْضِ المُقَدَّسَةِ"، أي: الشَّامِ؛ وقد وقَع ذلك في زَمن إمارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، "فقد دَنَتْ"، أي: قَرُبَت، "الزَّلازِلُ" جمع زَلْزَلَة؛ وهي هِزَّةُ الأرضِ وحَركتُها، "والبَلابِلُ"، أي: الهُمومُ والأحزان "والأُمورُ العِظام" مِن الدَّواهي والفِتَنِ، "والسَّاعةُ"، أي: أَشْراطُ السَّاعة وعَلامَاتُها، "يومئذٍ أقربُ من النَّاس من يَدِي هذه مِن رأسِك"، أي: إنَّها قَريبةٌ جدًّا.
وفي الحديثِ: عَلَمٌ من أَعْلامِ النُّبُوَّةِ؛ حيثُ وقَع ما أَخبَر به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وانتقلتِ الخِلافةُ إلى بِلاد الشَّام. .