باب في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة2
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه»، قال أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث، فقال: أنا أعلم بتلك الساعة، فقلت: أخبرني بها ولا تضنن بها علي، قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، قلت: فكيف تكون بعد العصر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي»؟ وتلك الساعة لا يصلى فيها، فقال عبد الله بن سلام: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة»؟، قلت: بلى، قال: فهو ذاك: «وفي الحديث قصة طويلة»،: " وهذا حديث صحيح، ومعنى قوله أخبرني بها ولا تضنن بها علي: لا تبخل بها علي، والضن: البخل، والظنين: المتهم "
يومُ الجُمُعَةِ جعَله اللهُ عزَّ وجلَّ خيرَ الأيَّام، وفضَّله على سائرِ الأيَّام؛ لِمَا وقَع فيه مِن أحداثٍ عِظام، وعن تلك الأحداثِ يُخبِر النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيقول: "خيرُ يومٍ طلَعت فيه الشَّمسُ: يومُ الجُمُعَةِ؛ فيه خُلِق آدَمُ"، وآدمُ عليه السَّلامُ هو أوَّلُ خَلْقِ الله مِن البَشَرِ، وهو الَّذِي باهَى اللهُ بِخِلقَتِه ملائكتَه، "وفيه أُهبِط"، أي: وفي يوم الجمعةِ هَبَط آدَمُ عليه السَّلامُ بأمرِ الله عزَّ وجلَّ إلى الأرضِ، وهو يومُ خُروجِه مِن الجَنَّةِ، "وفيه تِيبَ عليه"، أي: وفي يومِ الجمعةِ تابَ اللهُ على آدمَ بعدَما عصاه وأكَل مِن الشَّجرةِ، "وفيه مات"، أي: وفي يومِ الجمعةِ أيضًا مات أبو البَشَر آدمُ عليه السَّلام.
"وفيه تقومُ السَّاعةُ"، أي: يومُ القِيامَةِ، وهذا وحْدَه يَكفي لِتَفضِيلِ هذا اليومِ؛ لأنَّ لِأحداثِ السَّاعةِ شأنًا عظيمًا، قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما مِن دابَّةٍ"، أي: في الأرضِ "إلَّا وهي مُسِيخَةٌ يومَ الجمعةِ"، أي: مُصغِيَة ومُستَمِعة "مِن حِين تُصبِحُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ شفقًا مِن السَّاعةِ"، أي: خوفًا مِن السَّاعةِ؛ وذلك لِمَا جَبَلها اللهُ عليه، "إلَّا الجِنَّ والإنسَ"، أي: فإنَّهم لا يَترقَّبون ولا يَخافون قيامَ السَّاعةِ في هذا اليومِ؛ لعِظَمِ غفلتِهم.
"وفيه"، أي: وفي يوم الجُمُعةِ "ساعةٌ لا يُصادِفُها"، أي: لا يُوافِقُها "عبدٌ مُسلِمٌ وهو يصلِّي يَسأَلُ اللهَ حاجةً"، أي: يَدعُو ويَطلُب مِن الله عزَّ وجلَّ حاجتَه وهو في صلاتِه، "إلَّا أعطاه إيَّاها"، أي: استَجَاب اللهُ عزَّ وجلَّ له. قال كَعْبُ الأحبار (وهو مِن التابعين): ذلك في كلِّ سَنَةٍ يومٌ؟ أي: هل تأتي تلك الساعةُ في يومِ جُمُعَةٍ واحدٍ مِن السَّنَةِ؟ قال أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فقلتُ: بَلْ في كلِّ جُمُعَةٍ"، أي: أنَّ تلك الساعةَ في كلِّ جُمُعَةٍ مِن جُمعاتِ السَّنةِ، "قال أبو هُرَيْرَةَ: "فقَرأ كَعْبٌ التَّوراةَ"، أي: قرَأ منها ما يُصدِّق هذا الكلامَ؛ "فقال: صدَق النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"!
قال أبو هُرَيْرَةَ: "ثُمَّ لَقِيتُ عبدَ الله بنَ سَلَامٍ، فحدَّثتُه بِمَجلِسي مع كَعْبٍ"، أي: بحديثِه معه وما قاله كعبٌ مِن التَّوراةِ، "فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ رضِيَ اللهُ عنه: قد عَلِمْتُ أيَّةَ ساعةٍ هي"، أي: أَعرِفُ وقتَها تحديدًا مِن يومِ الجُمُعةِ، "قال أبو هُرَيْرَةَ: فقلتُ له: فأخبِرْني بها"، أي: أَعلِمْني بموعدِها، "فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: هي آخِرُ ساعةٍ مِن يومِ الجُمُعةِ، فقلتُ: كيفَ هي آخِرُ ساعةٍ مِن يومِ الجمعةِ؟ وقد قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يُصادِفُها"، أي: يُوافِقُها "عبدٌ مُسلِمٌ وهو يصلِّي، وتلك السَّاعةُ لا يصلَّى فيها"؟! أي: إنَّ السَّاعةَ الَّتِي ذَكَرْتَها لا يكونُ فيها صلاةٌ، "فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: ألَمْ يَقُلْ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن جَلَس مَجلِسًا"، أي: جَلَس في المسجدِ "يَنتظِرُ الصَّلاةَ، فهو في صلاةٍ"؟! أي: كأنَّه في حالةِ صلاةٍ، وله أَجْرُ انتظارِها بِمِثلِ الأجرِ الَّذِي يكونُ له على صلاتِه فِعلِيًّا، "حتَّى يُصلِّيَ!" قال أبو هُرَيْرَةَ: "فقلتُ: بلى"، قال عبدُ الله: "هو ذاك"، أي: أنَّ المرادَ بِمُصادفةِ تلك السَّاعةِ، هو الانشِغالُ بالدُّعاءِ والذِّكر حالَ انتظارِ الصَّلاةِ في المسجدِ في ذلك اليومِ، وخاصَّة في آخِرِ يومِ الجُمعةِ.