باب: في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} 1
بطاقات دعوية
- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} قال نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوار بمكة فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تجهر بصلاتك} فيسمع المشركون قراءتك {ولا تخافت بها} عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر {وابتغ بين ذلك سبيلا} يقول بين الجهر والمخافتة. (م 2/ 34)
إنَّ المِلَّة الإسلاميَّةَ هي الحَنيفيَّةُ السَّمحاءُ؛ أُصولُها وفُروعُها، كلُّها وَسطٌ لا إفراطَ ولا تَفريطَ، وتُحصِّل جَميعَ المَصالحِ وتَدرأُ جَميعَ المَفاسِدِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما عن سَببِ نُزولِ قولِه تعالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]؛ فيذكُرُ رضِيَ اللهُ عنه أنَّها نزَلَت في أوَّلِ الإسلامِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُخْتَفٍ بمكَّةَ، فكان إذا صلَّى بأصحابِه رفَعَ صَوتَه بالقُرآنِ، فإذا سَمِع المشْرِكون سَبُّوا القرآنَ ومَن أَنزلَه ومَن جاء به، فقال اللهُ تعالَى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، أي: ولا ترفَعْ صَوتَك بقِراءَةِ صَلاتِك أكثرَ ممَّا يَحتاجُ إليه السَّامعُ؛ فيَسْمَعَ المشْركون فيَسُبُّوا القرآنَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، أيْ: ولا تَخْفِضْ صَوتَك وتُسِرَّ بها عن أصحابِك؛ فلا تُسمِعَهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ}، أي: واقصِدْ طريقًا وسَطًا بين الجَهرِ والمُخافَتةِ. وبذلك نجِدُ أنَّ اللهَ تعالَى قد أمَرَ بما يَحصِّلُ به المنفَعَتين جميعَهما؛ عدمُ الإخلالِ بسَماعِ الحاضِرين، والاحترازُ عن سَبِّ أعداءِ الدِّين للقرآنِ عند سماعِه
وفي الحَديثِ: فضْلُ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما وعِلمُه بتَفسيرِ القرآنِ وأسبابِ نُزولِه