باب في وقت العشاء الآخرة
حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا حريز، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني، أنه سمع معاذ بن جبل، يقول: أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول: صلى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له كما قالوا، فقال لهم: «أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم»
الصلاة عماد الدين، وشأنها في الإسلام عظيم، ولها من الأهمية ما يجعل المحافظة عليها من شعائر الدين اللازمة، وقد جعل الله أجر انتظارها كأجر أدائها، وهذا من عظيم قدرها وفضلها ومكانتها في الشرع
وفي هذا الحديث يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة"، أي: جعلنا ننتظره لصلاة العشاء، "فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج"، أي: تأخر في خروجه إلى تلك الصلاة من بيته، حتى ظن البعض أنه لن يخرج لصلاة العشاء هذه الليلة، "ويقول قائل آخر منا"، أي: ومنهم من ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها، "فإنا لكذلك"، أي: على انتظارنا له، واجتهادنا في سبب تأخيره صلى الله عليه وسلم، "حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: إلى الصلاة، "فقالوا له كما قالوا"، أي: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوه في سبب تأخير خروجه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أعتموا بهذه الصلاة"، أي: تأخروا في هذه الصلاة حتى يعم الظلام ويعتم؛ فإن المسلم ما يزال في صلاة وأجر مدة انتظاره للصلاة في المسجد، وهذا من عظيم فضل الله على عباده المؤمنين؛ حيث لم يضيع وقت انتظارهم
ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم السبب في ذلك وما فيه من الفضل، بقوله: "فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم"، أي: فضلكم الله بصلاة العشاء على جميع أمم الأنبياء من قبلكم، ولم تفرض لأمة من قبل إلا لأمة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: بيان فضل تأخير صلاة العشاء