باب قيام شهر رمضان 2
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن الفضيل، عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، فقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، قال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة»، ثم لم يصل بنا ولم يقم حتى بقي ثلاث من الشهر، فقام بنا في الثالثة، وجمع أهله ونساءه حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يَحرِصونَ كلَّ الحرصِ على بَذْلِ أنفُسِهم في الطَّاعاتِ؛ طمَعًا في كَمالِ الأجرِ، ونَيلِ مَرضاةِ اللهِ تعالى
يقولُ أبو ذرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عَنه: "صُمْنا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رمَضانَ، فلم يقُمْ بنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: لم يُصَلِّ بهم قِيامَ لَيْلٍ، "حتَّى بقِيَ سَبْعٌ مِن الشَّهرِ"، أي: سبعُ ليالٍ مِن رمَضانَ، "فقام بنا"، أي: فصلَّى بهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أوَّلَ تلك اللَّيالي السَّبعةِ، وهي اللَّيلةُ الثَّالثةُ والعِشرونَ مِن رمَضانَ، "حتَّى ذهَب نحوٌ مِن ثُلُثِ اللَّيلِ، ثمَّ كانَتْ سادسةٌ، أي: اللَّيلةُ الرَّابعةُ والعِشرونَ، "فلم يقُمْ بنا"، أي: لم يقُمْ بهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في تلك اللَّيلةِ، "فلمَّا كانَتِ الخامسةُ"، وهي: اللَّيلةُ الخامسةُ والعِشرونَ، "قام بنا حتَّى ذهَب نحوٌ مِن شَطْرِ اللَّيل"، أي: نصفِه، قال أبو ذرٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، لو نفَّلْتَنا قيامَ هذه اللَّيلةِ"، أي: لو أكمَلْتَ لنا الصَّلاةَ إلى آخِرِ اللَّيلِ؛ طمَعًا في كاملِ الأجرِ والثَّوابِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إنَّ الرَّجُلَ إذا صلَّى مع الإمامِ حتَّى ينصرِفَ"، أي: حتَّى ينتهيَ الإمامُ مِن صلاتِه، "حُسِبَ له"، أي: للمأمومِ أجرُ "قيامُ ليلةٍ"
قال أبو ذرٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "ثمَّ كانَتِ الرَّابعةُ"، وهي: اللَّيلةُ السَّادسةُ والعِشرونَ، "فلم يقُمْ بنا، فلمَّا بقِيَ ثُلُثٌ مِن الشَّهرِ"، أي: آخِرُ ثَلاثِ ليالٍ مِن رمَضانَ وهي السَّابعةُ والعِشرونَ والثَّامنةُ والعِشرونَ والتَّاسعةُ والعِشرونَ، "أرسَل إلى بناتِه ونسائِه وحشَد النَّاسَ"، أي: جمَعَهم، "فقام بنا"، أي: ليلةَ السَّابعِ والعِشرينَ، "حتَّى خَشِينا أن يفُوتَنا الفَلاحُ"، أي: طَعامُ السُّحورِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه قَامَ اللَّيلَ كلَّه في تلك اللَّيلةِ، "ثمَّ لم يقُمْ بنا شيئًا مِن الشَّهرِ"، أي: ما بقِيَ منه، وهي اللَّيلةُ الثَّامنةُ والعِشرونَ، والتَّاسعةُ والعِشرونَ؛ وكان فِعلُه ذلكَ لأنَّه كان يَخشَى أن يُفرَضَ قيامُ اللَّيلِ في رمَضانَ على أمَّتِه، فيَثقُلَ عليهم، ثمَّ إنَّه قامَ في اللَّيالي الوِتْريَّةِ الْتِماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ؛ فإنَّه قال: "التمِسوها في الوِتْرِ مِن العَشْرِ الأواخِرِ مِن رمَضانَ"، وكان قدْ أرشَد بعضَ أصحابِه إلى ليلةِ السَّابعِ والعِشرينَ على أنَّها ليلةُ القَدْرِ
وفي الحديثِ: الاعتناءُ بقِيامِ اللَّيالي الوِتْريَّةِ في العَشْرِ الأخيرِ مِن رمَضانَ، خاصَّةً ليلةَ السَّابعِ والعِشرينَ، والاجتهادُ فيها عن غَيرِها؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ