باب كتاب صفات المنافقين وأحكامهم
بطاقات دعوية
حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رجل نصرانيا فأسلم، وقرأ البقرة، وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له، فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له، وأعمقوا له في الأرض، ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه
الله عز وجل يعلم الأمور على حقائقها، فلا يخدع سبحانه بالمظاهر وإن اجتهد صاحبها في إخفاء بواطن الأمور وحقائقها، وسيجازي سبحانه كل امرئ الجزاء الذي يستحقه؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر
وفي هذا الحديث يذكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سبب نزول قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 188]؛ وذلك أن مروان بن الحكم بن أبي العاص في أثناء إمارته على المدينة النبوية من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما -وقد ولي الخلافة بعد ذلك-أمر بوابه -وهو الذي يجلس على بابه؛ ليأذن لمن يريد بالدخول، واسمه: رافع- أن يذهب لابن عباس رضي الله عنهما ويسأله عن قوله: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 188]، وقد كان مروان ظن أنها نزلت فيمن فرح وأحب الحمد وإن كان على شيء لم يفعله غير كاذب ولا مدع؛ لذلك قال لبوابه أن يقول لابن عباس رضي الله عنهما: «لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون»؛ وذلك لأن كل الناس يفرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل، فأنكر ابن عباس رضي الله عنهما قوله هذا، وقال: «وما لكم ولهذه؟!» يعني: ما لكم وللسؤال عن هذه المسألة؟!
ثم بين رضي الله عنه فيمن أنزلت هذه الآية، وأنها نزلت في قوم من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن شيء، فلم يخبروه وأخبروه بشيء غيره، وظنوا أن فعلهم هذا يستوجب الحمد من النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمدهم على ما أخبروه به من جواب على مسألته، وفرحوا بأنهم كتموا ما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم الآية المذكورة، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 187- 188]
ومعنى الآيتين: واذكر -يا محمد- حين عهد الله عز وجل إلى اليهود وغيرهم من أهل الكتاب عهدا مؤكدا: بأن يبينوا ما في كتبهم للناس ولا يخفوه أبدا، ومن ذلك صفة محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات رسالته، فكانت النتيجة أنهم نقضوا هذا العهد، وتركوا العمل به، وأرادوا مقابل نقضهم عهد الله تعالى بكتمانهم ما في كتبهم الحصول على حظوظ دنيوية خسيسة من مناصب أو أموال، أو غير ذلك.. فبئست الصفقة صفقتهم، وما أخسرها من تجارة! لأنهم اختاروا الدنيء الخسيس، وتركوا العالي النفيس
ثم يحذرهم الله عز وجل في الآية الثانية -ومن سار على نهجهم- من سوء صنيعهم، فيخاطب الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: أن لا يظن هو، ولا يظن الذين يفرحون بما فعلوه من أعمال -ككتمان العلم لمن سألهم كاليهود، والتخلف عن الغزو في سبيل الله تعالى كالمنافقين، وكأعمال المتزينين للناس المرائين لهم بما لم يشرعه الله ورسوله- ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يعملوه؛ أنهم سينجون من عذاب الله، بل لهم عذاب أليم!
وفي الصحيحين أن أبا سعيد الخدري ذكر أن سبب نزول الآية؛ هو أن رجالا من منافقي المدينة كانوا يتخلفون عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوات، وكانوا يفرحون بقعودهم وتخلفهم عنه، فإذا ما رجع من الغزو ذهبوا إليه واعتذروا عن عدم خروجهم، وتعللوا بما لا يصح وهم فيه يكذبون، وأحبوا أن يحمدوا مع ذلك بما لم يفعلوه، فظنوا أنهم يخادعون الله تعالى وهو خادعهم، ولهم في الآخرة ما يستحقونه، وفي ذلك أنزل الله تعالى هذه الآية. وقد قيل: إن الآية نزلت في الفريقين جميعا
وفي الحديث: وجوب بيان العلم على أهل العلم
وفيه: فقه ابن عباس رضي الله عنهما وعلمه بالتفسير ومكانته العلمية بين الناس