باب كراهة تمني الموت بسبب ضر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتمن (1) أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب». متفق عليه، (2) وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه؛ إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا»
العبد في سيره إلى الله تعالى لا بد له من الجمع بين الرجاء والخوف؛ فإن الخوف وحده يؤدي إلى القنوط واليأس، ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن العمل لن يدخل أحد الجنة، فسأله الصحابة رضي الله عنهم: «ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة»، أي: يلبسه إياها، ويغطيه بها، ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله سبحانه: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32]؛ لأن التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها: إنما هو برحمة الله وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بسبب العمل، وهو من رحمة الله تعالى
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فسددوا وقاربوا»، أي: اقصدوا الصواب ولا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة؛ لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملل، فتتركوا العمل فتفرطوا
ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت؛ لأن الإنسان الذي يتمنى الموت إما أن يكون عاصيا ومسيئا، وإما أن يكون طائعا؛ فإن كان مسيئا فلعل طول حياته يعطيه الفرصة أن يستعتب، أي: يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم وتدارك الفائت، وإن كان طائعا فلعل طول حياته يكون سببا في زيادة إحسانه، فيزداد أجره، وترتفع منزلته يوم القيامة
وفي بعض الروايات عند مسلم أن الإنسان يدعو فيقول: «واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر»؛ وذلك لأنه إذا مات الإنسان انقطع أمله وعمله، وزيادة العمر لا تزيد المؤمن إلا خيرا، فنهى عن تمني الموت؛ لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله في أمر منفعته عائدة على العبد في آخرته