باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب
بطاقات دعوية
عن أَنس بن مالك قالَ: إِنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - صلَّى يومَ النحرِ، ثم خطبَ، فأمَر مَن ذَبَحَ قبلَ الصلاةِ أن يُعيدَ ذَبحَه، فقامَ رجلٌ من الأنصارِ فقال: يا رسولَ الله! [هذا يوم يُشتهى فيه اللحم 2/ 3]، جيرانٌ لي- إما قالَ: بهم خصاصةٌ، وِإما قالَ: فقرٌ-[فكأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صدَّقه]- وإِني ذَبحتُ قبلَ الصلاةِ وعِندي عَناقٌ (وفي روايةٍ: جَذَعَة) لي أَحَبُّ إِليَّ من شاتَيْ لحمٍ، فرخَّص له فيها، [فلا أَدري أبلغتِ الرخصةُ مَنْ سواه أم لا؟].
علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واجباتِ الأعيادِ وسُننَها وآدابَها، ومِن ذلك وَقتُ الصَّلاةِ وكَيفيَّتها يومَ الأضْحى، ووَقتُ ذَبْحِ الأُضحيَّةِ، وهي شَعيرةٌ مِن شَعائرِ الإسلامِ، وهي عِبادةٌ مُؤقَّتةٌ بوَقتٍ، لا تَجوزُ قبْلَه ولا بعْدَه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَّن أنَّ مَن ذبَحَ أُضحيتَه قبْلَ صَلاةِ عِيدِ الأضْحَى، فعليه أنْ يُعيدَها؛ لأنَّه ذَبَحَها قبْلَ وَقتِها الشَّرعيِّ، الذي هو بعْدَ أداءِ صَلاةِ العيدِ، وتَبدَأُ صَلاةُ العيدِ بعْدَ ارتفاعِ الشَّمسِ قدْرَ رُمحٍ (رُبعُ ساعةٍ بعْدَ شُروقِ الشَّمسِ تَقريبًا)، وحدَّده العُلماءُ بزَوالِ حُمرتِها، ويَنْتهي وَقتُها بزَوالِ الشَّمسِ (قبْلَ الظُّهرِ برُبعِ ساعةٍ تَقريبًا).
وبعْدَ أنْ بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، قام رجُلٌ -وهو أبو بُرْدةَ بنُ نِيَارٍ رَضيَ اللهُ عنه، كما في الصَّحيحَينِ- يَسأَلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُؤالًا خاصًّا، حيث ذكَرَ أنَّ يومَ الأضحَى يَومٌ يُحِبُّ النَّاسُ فيه اللَّحمَ؛ ولذلك فإنَّه قد تَعجَّلَ وذبَحَ قبْلَ الصَّلاةِ، وأطعَمَ أهلَه وجِيرانَه الفُقراءَ، وهو الآنَ لا يَملِكُ إلَّا جَذَعةً مِن المَعْزِ ولكنَّها عِندَه أفضلُ مِن شاتَينِ؛ لكَثرةِ لَحْمِها، وغَلاءِ ثَمنِها، والجذَعةُ ما كانتْ دُونَ السَّنةِ. وقيل: الإجذاعُ زمَنٌ وليسَ بسِنٍّ يَسقُطُ ولا يَنبُتُ؛ فالجَذَعُ اسمٌ لولَدِ الماعِزِ إذا قَوِيَ؛ فما كان مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا أنْ صدَّقَه في كَلامِه، ورخَّصَ له في ذَبْحِ الجذَعةِ مِن المَعْزِ؛ لأنَّه لا يَملِكُ غيرَها، وأخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لا يَدْري هلْ كان هذا الحُكمُ خاصًّا بأبي بُرْدةَ أو هو عامٌّ لجميعِ المكلَّفينَ؟ وقد أوضَحَت رِوايةٌ أُخرى في الصَّحيحَينِ عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «ولنْ تَجزِيَ عن أحدٍ بعْدَك»؛ فهذه رُخصةٌ خاصَّةٌ لك، ولنْ تتَعدَّى أحَدًا بعْدَك مِن الأُمَّةِ. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الجَذَعةَ مِن المَعزِ التي دُونَ السَّنةِ لا تُجزِئُ فى الضَّحايا، ويُجزِئُ مِن المَعزِ الثَّنيُّ فما فوقَه، وهي ما تَمَّ له سَنةٌ ودخَلَ في الثانيةِ.
وفي الحديثِ: فَضيلةُ أبي بُردةَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: أنَّ سُنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّيسيرُ والتَّخفيفُ.