باب كم حج النبي - صلى الله عليه وسلم -
بطاقات دعوية
عن أبي إسحاق قال سألت زيد بن أرقم كم غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سبع عشرة قال وحدثني زيد بن أرقم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا تسع عشرة وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة حجة الوداع قال أبو إسحق (1) وبمكة أخرى. (م 4/ 60
الغَزْوةُ هي الجَيشُ الَّذي يَخرُجُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنفْسِه، والبَعثُ هو الجَيشُ الَّذي يُرسِلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا يَخرُجُ فيه، وقد كانت حَياةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِلْسِلةً مُتَّصِلةَ الحَلَقاتِ مِن الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ حتَّى لَقيَ اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ زَيدُ بنُ أرْقَمَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزا تِسعَ عَشْرةَ غَزْوةً، وهذا يَحتمِلُ: أنَّه غَزا تِسعَ عَشْرةَ غَزْوةً وهو معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو أنَّ زَيدَ بنَ أرْقَمَ رَضيَ اللهُ عنه يَعلَمُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِسعَ عَشْرةَ غَزْوةً؛ لأنَّ غَزَواتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قيلَ: كانت خَمسًا وعِشْرينَ، وقيلَ: سَبعًا وعِشْرينَ، وقيلَ غيرُ ذلك.
وسَببُ الخِلافِ في ذلك: أنَّ بعضَ الصَّحابةِ كان يَذكُرُ الغَزَواتِ الكَبيرةَ الشَّهيرةَ، والبَعضَ الآخَرَ يَذكُرُ الغَزَواتِ كلَّها بما فيها ما لم يَشتَهِرْ؛ كغَزْوةِ بُواطٍ والعُسَيرِ.
ومِن أهَمِّ هذه الغَزَواتِ: غَزْوةُ وَدَّانَ 2 هـ، وبُواطٍ 2 هـ، وغَزْوةُ سَفَوانَ أو غَزْوةُ بَدرٍ الأُولى 2 هـ، وغَزْوةُ العُشَيرةِ 2 هـ، وغَزْوةُ بَدرٍ الكُبْرى 2 هـ، وغَزْوةُ بَني سُلَيمٍ 2 هـ، وغَزْوةُ بَني قَيْنُقاعَ 2 هـ، وغَزْوةُ السَّويقِ 2 هـ وذي أَمَرَّ، وغَطَفانَ 3 هـ، وبَحْرانَ 3 هـ، وغَزْوةُ أُحُدٍ 3 هـ، وحَمْراءِ الأسَدِ 3 هـ، وبَني النَّضيرِ 4 هـ، وبَدرٍ الأخيرةِ 4 هـ، ودُومةِ الجَندَلِ 5 هـ، والخَندَقِ 5 هـ، وبَني قُرَيْظةَ 5 هـ، وبَني المُصطَلِقِ 5 هـ، وبَني لَحْيانَ 6 هـ، والحُدَيْبيَةِ 6 هـ، وذاتِ الرِّقاعِ 7 هـ، وخَيْبرَ 7 هـ، ومُؤْتةَ 8 هـ، وفَتحِ مكَّةَ 8هـ، وحُنَينٍ 8 هـ، والطَّائفِ 8 هـ، وتَبوكَ 9 هـ.
ثمَّ أخْبَرَ زَيدٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يحُجَّ بعْدَ أنْ هاجَرَ إلى المَدينةِ سِوى حَجَّةٍ واحدةٍ لم يحُجَّ بعدَها، وهي حَجَّةُ الوَداعِ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان كالمُوَدِّعِ لهمْ في خُطْبةِ الحجِّ، ولم يَلبَثْ كَثيرًا بعْدَها، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهِجْرةِ.
وقال أبو إسْحاقَ السَّبيعيُّ: إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّ وهو بمكَّةَ حَجَّةً أُخْرى، ومَقصِدُه أنَّه قبْلَ أنْ يُهاجِرَ كان قدْ حَجَّ، ولم يَقصِدْ تَعْيينَ المَرَّةِ الواحدةِ، وقد رُويَ أنَّه حَجَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ أنْ يُهاجِرَ مَرَّتَينِ، وقيلَ: حَجَّ قبْلَ الهِجْرةِ مِرارًا، حتَّى إنَّه حَجَّ كُلَّ سَنةٍ قبْلَ أنْ يُهاجِرَ، وحَجُّه قبْلَ الهِجْرةِ مَحْمولٌ على حُضورِه معَ قُرَيشٍ مَواسِمَ حَجِّهمُ الَّذي كانوا يَأْتونَ بصورَتِه، وكان يُعلِنُ فيهمُ النِّداءَ برِسالتِه، ويُعلِنُ في تلك المواسِمِ الدُّعاءَ إلى اللهِ تعالَى، ووُجوبَ طاعَتِه؛ فتَسميةُ ذلك حَجًّا إنَّما هو باعْتِبارِ الصُّورةِ؛ للإجْماعِ على أنَّ الحجَّ لم يُفرَضْ قبْلَ الهِجْرةِ.