باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يوردن ممرض على مصح
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أولا معاني التوكل على الله عز وجل في كل أمر وحال؛ حتى يزيل عنهم ويرفع من نفوسهم معتقدات الجاهلية، ثم يعلمهم ثانيا معاني الأخذ بالأسباب؛ لأن الله عز وجل أجرى العادة في الأسباب بأنها تفضي إلى مسبباتها، وأنها لا تستقل بذاتها، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا، وإن شاء أبقاها فأثرت
وفي هذا الحديث يخبر التابعي أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث بحديثين؛ الأول: «لا عدوى»، وهي انتقال المرض من المصاب به إلى آخر سليم؛ ليصبح مصابا بعد انتقال المرض إليه، والمراد: النهي عن الاعتقاد أن بعض الأمراض تنتقل بسبب العدوى وحدها؛ لأن الأمر بقضاء الله وقدره، والحديث الثاني: «لا يورد ممرض على مصح»، أي: لا يؤتى بمريض على صحيح سليم؛ فيكون سببا في عدواه ومرضه، والممرض هو صاحب الماشية المريضة، والمصح هو صاحب الماشية الصحيحة
ثم أخبر أبو سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث بالحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أبو هريرة بعد ذلك التحديث بحديث: «لا عدوى»، واستمر على التحديث بحديث: «ألا يورد ممرض على مصح»، فقال الحارث بن أبي ذباب لأبي هريرة -وهو ابن عم أبي هريرة-: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع حديث: «لا يورد ممرض على مصح» حديثا آخر، وهو حديث: «لا عدوى»، وقد سكت عنه وامتنعت عن التحديث به، فامتنع أبو هريرة عن تفسير سبب سكوته عن التحديث بحديث: «لا عدوى»، وتحديثه بحديث: «لا يورد ممرض على مصح»، فقط، فأخذ الحارث يراجع ابن عمه أبا هريرة رضي الله عنه حتى غضب أبو هريرة رضي الله عنه، «فرطن» أي: تكلم بلغة غير التي لا تفهمها العرب، وقوله: «بالحبشية» هي اللغة التي رطن بها، والمراد: تكلم كلاما لا يفهم لشدة غضبه من مراجعة الحارث له حول الحديث، فسأل أبو هريرة رضي الله عنه الحارث: أتدري ماذا قلت؟ فقال الحارث: لا، فقال أبو هريرة: قلت: أبيت، يريد بذلك أنه لم يحدث بما يقول الحارث: إن أبا هريرة كان يحدث به
ثم أكد أبو سلمة كلام الحارث على أن أبا هريرة حدث بهذا الحديث بقوله: «ولعمري»، أي: وخالق حياتي، أو أنه لم يرد به القسم، بل مجرد تأكيد الكلام، لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى»، ثم عزا أبو سلمة إنكار أبي هريرة تحديثه بحديث: «لا عدوى»، إلى النسيان أو نسخ حديث: «لا يورد ممرض على مصح» لحديث: «لا عدوى»
أما احتمال النسخ فإنما ذهب إليه أبو سلمة ظنا منه أن الحديثين متعارضان؛ فحديث «لا عدوى» ينفي تعدية الأمراض، وحديث «لا يورد ممرض» يثبتها، وقد قيل في الجمع بينهما: إن النهي فيها إنما هو على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وإن هذه الأمور تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة من به شيء من الأمراض سببا لحدوث المرض للصحيح
ويحتمل أيضا أن يكون قد أمسك عن روايته لحكمة هو أعلم بها، وعلى كونه قد نسي الحديث لا يقدح نسيانه في ثبوت الحديث؛ لما تقرر في الأصول أن نسيان الراوي لا ينفي روايته إذا كان من روى عنه ثقة، ولأن حديث «لا عدوى» مروي عن غير أبي هريرة أيضا