باب لا غول
بطاقات دعوية
عن جابر - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى ولا طيرة ولا غول (1). (م 7/ 32
جاءَ الإسلامُ ليَهدِمَ مُعتقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَدفَعَ الأوْهامَ والخَيالاتِ الَّتي تَعبَثُ بالعُقولِ، مِثلُ التَّطَيُّرِ والتَّشاؤمِ وغيرِ ذلكَ مِن أخلاقِ الجاهليَّةِ الَّتي قَضَى عليها الإسلامُ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه «لا عَدْوَى»، والمقصودُ بالعَدْوَى: انتِقالُ المرضِ منَ المريضِ إلى الصَّحيحِ، والمعْنى: أنَّها لا تُؤثِّرُ بطبْعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقدَرِ اللهِ وتَقديرِه، وكانوا يَظنُّونَ أنَّ المرضَ بنفْسِه يُعدي، فأعلَمَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الأمرَ ليْس كذلك، وإنَّما اللهُ عزَّ وجلَّ هو الَّذي يُقدِّرُ المرَضَ ويُنزِلُ الدَّاءَ، وأنَّ مُصاحَبةَ المعلولِ ومُؤاكَلتَه، لا يُوجِبانِ حُصولَ تلكَ العِلَّةِ ولا يُؤثِّرانِ فيها.
«ولا غُولَ» جمْعُه أغوالٌ وغِيلانٌ، وهي جِنْسٌ مِن الشَّياطين، وكانتِ العَرَبُ تَزعُم أنَّ الغِيلانَ تكونُ في البَرِّيَّةِ والصَّحراءِ، فتَتَراءَى للنَّاسِ وتتغوَّل تغوُّلًا، أي تَتلوَّن تلوُّنًا، فتُضِلُّهم عن الطريقِ، فتُهلِكُهم، فأَبْطَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاك.
وليْس المُرادُ بالحديثِ نَفْيَ وُجودِ الغُولِ، وإنَّما معناه إبطالُ ما تَزعُمه العَرَبُ مِن تلوُّنِ الغُولِ بالصُّوَرِ المختلِفَةِ الَّتي تَعبَثُ بالعُقولِ، وقيل: إنَّ مَعنى «لا غُولَ» أي: لا تَستطيع أن تُضِلَّ أحدًا.
وقولُه: «ولا صَفَرَ» يَحتَمِل أمرَيْن؛ الأوَّلُ: تَأخيرُهم شَهْرَ المحرَّمِ وتحريمَه إلى شَهرِ صَفَرٍ؛ فيكون هو الشَّهْرَ الحرامَ، وهو النَّسِيءُ الَّذِي كانوا يَفعَلونه المذكورُ في قولِه تعالَى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37].
والثاني: أنَّ الصَّفَرَ دَوَابُّ في البَطْنِ، وكانوا يَعتقِدون أنَّ في البَطْنِ دابَّةً تَهِيجُ عندَ الجُوعِ، ورُبَّما قَتَلَتْ صاحِبَها، وكانت العَرَبُ تراها أَعْدَى مِن الجَرَبِ، فأبطَلَ الإسلامُ ذلك كلَّه.