باب لا وضوء إلا من حدث 1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، وعباد بن تميم
عن عمه، قال: شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا، حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا" (1).
هذا الحديثُ العظيمُ أصلٌ لإحْدَى القواعدِ الفقهيَّةِ الكُبرَى؛ وهي: أنَّ اليقينَ لا يَزولُ بالشَّكِّ، وفيه أنَّ عبدَ اللهِ بنَ زيدٍ رَضيَ اللهُ عنه جاءَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وشكَا إليه أنَّ الرَّجلَ يُخيَّلُ إليه أنَّه يَجِدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، يعني: يَظُنُّ أَنَّه خرَجَ منه الرِّيحُ، فأجابه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّه لا يَخرُجُ مِن صَلاتِه حتَّى يَتيقَّنَ خُروجَ الرِّيحِ منه؛ وذلك إذا سَمِعَ صَوتًا أو وَجِدَ رِيحًا؛ لأنَّه مُتيقِّنٌ لِطَهارتِه، فلا يَزولُ هذا اليقينُ بمُجرَّدِ الشَّكِ، بلْ يَنْبغي أنْ يَتيقَّنَ مِنَ الحدَثِ وخُروجِ الرِّيحِ.وذَكَرَ خُروجَ الصَّوتِ والرِيحِ؛ لأنَّ هذا غالبُ الحَدَثِ في الصَّلاةِ، ولا يُتصوَّرُ وُقوعُ غيرِه فيها، فكأنَّه أجاب السَّائلَ عمَّا يَحتاجُ إلى مَعرفتِه في غالبِ الأمْرِ، أو عمَّا يقَعُ في الصَّلاةِ؛ لأنَّ البَولَ والغائطَ والمُلامَسةَ وغيرَه ممَّا يَنقُضُ الوُضوءَ غيرُ مَعهودٍ في الصَّلاةِ.وقيل: إنَّ المُرادَ هو التَّأكُّدُ مِن حَقيقةِ ناقضِ الوُضوءِ، ولم يُرِدْ به الصَّوتَ نفْسَه، ولا الرِّيحَ نفْسِها؛ فقدْ يَخرُجُ منه الرِّيحُ ولا يَسمَعُ لها صَوتًا ولا يَجِدُ لها رِيحًا، أو قد يكونُ في سَمْعِه أو أنْفِه خَلَلٌ، فلا يَسمَعُ الصَّوتَ، أو يَشَمُّ الرِّيحَ، فمِثلُه تُنتقَضُ طَهارتُه إذا تَيقَّنَ وُقوعَ الحدَثِ.