باب ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين قال فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال وكان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين. (م 3/ 173
لا شَكَّ أنَّ أعظَمَ الشُّهورِ عندَ اللهِ شَهرُ رمَضانَ، وأعظمَ اللَّيالي لَيلةُ القدرِ؛ لذا اجتَهَدَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم في تَحديدِها، فكثُرَتِ الرِّواياتُ في تَحديدِ تلك اللَّيلةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عَبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: «أُريتُ لَيلةَ القَدْرِ ثُمَّ أُنسيتُها»، أي: عَلِمتُ في أيِّ يَومٍ هي، ثُمَّ رُفِعَ عَنِّي عِلمُ عَينِها، وكان جِبريلُ عليه السَّلامُ قد أعْلَمه بتَعيينِها في تلك السَّنَةِ، ورأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في رُؤيةٍ مَناميَّةٍ -ورُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ وصِدقٌ ووَحيٌ مِن اللهِ تعالى- أنَّ عَلامَتَها أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يَسجُدُ في مَاءٍ وَطينٍ، ثمَّ أخبَرَ عَبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ رَضيَ اللهُ أنَّ المطَرَ نزَلَ لَيلةَ ثَلاثٍ وَعِشرينَ، وتَحقَّقَتْ رُؤيا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأنْ سجَدَ في ماءٍ وطِينٍ، فَصلَّى بهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم القيامَ، فَانصرَفَ مِن الصَّلاةِ والحالُ أنَّ أثَرَ الماءِ وَالطِّينِ عَلى جَبهَتِه وأنفِهِ مِنَ السُّجودِ عليهما؛ وَهذا تَصديقُ رُؤياهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وَكانَ سَقفُ مَسجِدِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن جَريدِ النَّخلِ. وعلى هذا الحديثِ كان عبدُ اللهِ بنُ أُنَيسٍ رَضِي اللهُ عنه يُحدِّدُ ليْلةَ القدْرِ في كلِّ عامٍ أنَّها ليْلةُ ثَلاثٍ وعِشرين، وقدْ ورَدتْ رِواياتٌ مُتعدِّدةٌ في تَحديدِ وقْتِ ليْلةِ القَدْرِ، وللعُلماءِ كَلامٌ طويلٌ في الجَمْعِ أو التَّرجيحِ بيْن هذِه الرِّواياتِ، ومِن ذلك: أنَّ لَيلةَ القَدْرِ تَنتقِلُ كلَّ سَنةٍ في العَشرِ الأواخِر مِن رمَضانَ، وسُمِّيتْ لَيلةُ القَدرِ بهذا الاسمِ؛ لعَظيمِ قَدْرِها وشرَفِها، أو لأنَّ للطَّاعاتِ فيها قدْرًا. ومِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه أَخْفاها عنِ النَّاسِ؛ لكي يَجتَهِدوا في الْتِماسِها في اللَّيالي، فيُكثِروا مِن العِبادةِ الَّتي تَعودُ عليهمْ بالنَّفعِ.
وفي الحَديثِ: السُّجودُ عَلى الماءِ والطِّينِ.
وفيه: أنَّ رُؤْيا الأنبِياءِ حقٌّ.
وفيه: الحثُّ على تَحرِّي لَيلةِ القَدْرِ واغتنامِها بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ لِمَا فيها مِن زِيادةِ الفَضلِ والأَجرِ.
وفيه: ثُبوتُ السُّجودِ على الجَبْهةِ والأنْفِ.