باب ما جاء في إقامة الحد على الإماء2
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا زائدة بن قدامة، عن السدي، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطب علي فقال: يا أيها الناس، أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن، «وإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها»، فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، أو قال: تموت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «أحسنت»: هذا حديث صحيح والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن، وهو من التابعين قد سمع من أنس بن مالك، ورأى حسين بن علي بن أبي طالب
الزِّنا مِن أعظَمِ الآثامِ الَّتي يَرتكِبُها الإنسانُ، وهو مِن كَبائرِ الذُّنوبِ في الإسْلامِ؛ حيثُ شدَّدَ اللهُ عُقوبَتَها في الدُّنيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَميُّ أنَّ الخليفةَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه خَطبَ النَّاسَ، فقال: يا أَيُّها النَّاسُ، أَقِيموا على «أرِقَّائِكم» أي: العبيدِ المماليكِ والإماءِ، «الحدَّ» والمرادُ به العقوبةُ الَّتي شَرَعَها عزَّ وجلَّ على مَن اقترَفَ جَريمةً كالزِّنا والسَّرِقةِ ونحْوِها، ومَقصِدُ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه به هنا: عُقوبةُ الزِّنا. وهي بعْدَ البيِّنةِ: الجَلْدُ على مَنْ أحْصنَ، وهو الثِّيَّبُ الَّذي سَبَق له الزَّواجُ، ومَن لم يُحْصَنْ، وهو البِكرُ الَّذي لم يَسبِقْ له الزَّواجُ، فهُما في الحدِّ سَواءٌ، فيُضرَبُ خَمْسينَ جَلْدةً، سواءٌ كان مُتزوِّجًا أمْ لا، وهذا بخِلافِ الأحرارِ، فالمُحصَنُ حدُّه الرَّجمُ حتَّى الموتِ، وغيرُ المُحصَنِ حدُّه مائةُ جَلْدةٍ.
ثمَّ أخبَرَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أَمَةً لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ارتكَبَت فاحشةَ الزِّنا، والظَّاهرُ أنَّها لم تكُنْ جاريةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما كانت جاريةً لبَعضِ أهلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك لِما أخْرَجَه أبو داودَ بلَفظِ «فجَرَتْ جاريةٌ لآلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ».
وأخبَرَ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَه أنْ يَجلِدَها حدًّا على فاحشتِها، فوَجَدَها علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه «حَديثَ عَهْدٍ بِنفاسٍ»، أي: أنَّ وقْتَ وِلادتِها قَريبٌ، والنِّفاسُ: الدَّمُ الَّذي يَنزِلُ مِنَ المرأةِ بعدَ الولادةِ، فَخَشِي إنْ جَلَدها أنْ تَموتَ؛ وذلك لِضعْفِ صِحَّتِها وعدَمِ تحمُّلِها الْجَلْدَ، فَذكر علي رَضيَ اللهُ عنه ذلكَ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: «أَحسَنْتَ»، أي: أصبْتَ وفَعلْتَ الصَّوابَ، وفي رِوايةٍ: «اتْرُكْها حتَّى تماثَل»، أي: تَبرأَ وتتماثَلَ لِلشِّفاءِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ حَدِّ الزِّنا للإماءِ والعبيدِ.
وفيه: أنَّ مَن كان حدُّه دُونَ القتلِ لم يُقَمْ عليه في مَرَضِه حتَّى يُفِيقَ.