باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه
سنن الترمذى
حدثنا أبو عبد الله هريم بن مسعر الأزدي الترمذي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فوعظهم ثم قال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر أهل النار» فقالت امرأة منهن: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: «لكثرة لعنكن، يعني وكفركن العشير». قال: «وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب، وذوي الرأي منكن»، قالت امرأة منهن: وما نقصان دينها وعقلها، قال: «شهادة امرأتين منكن بشهادة رجل، ونقصان دينكن، الحيضة، تمكث إحداكن الثلاث والأربع لا تصلي» وفي الباب عن أبي سعيد، وابن عمر: هذا حديث حسن
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتعهَّدُ النِّساءَ بالمَوعِظةِ كما يَتعَهَّدُ الرِّجالَ، وكَثيرًا ما كان يُذكِّرُهُنَّ بعُيوبِهِنَّ وأمراضِهِنَّ، ويَطلبُ مِنهُنَّ تَحصينَ أنفُسِهِنَّ وعِلاجَ ما يَقَعنَ فيه من أخطاءٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في يَومِ عيدٍ، وبعد أن أنهى الخُطبةَ؛ تَوجَّه إلى جَماعةِ النِّساءِ، والمَعشَرُ: كلُّ جَماعةٍ أمرُهم واحدٌ، وخَصَّهُنَّ بالمَوعِظةِ -كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ من حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ- فأمَرَهُنَّ أن يُخرِجنَ الصَّدَقاتِ من أموالِهِنَّ، وأمَرَهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا أن يستغفِرنَ اللهَ، وقد يُعبَّرُ به عنِ التَّوبةِ، وعلَّلَ هذا الأمرَ بكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى -في رِحلةِ المِعراجِ أو غيرِها- أكثَرَ أهلِ النَّارِ من النِّساءِ، فيكونُ أمرُه لهنَّ بالصَّدقةِ؛ لأنَّها تَزيدُ في الحَسناتِ وتُطفِئُ غضَبَ الربِّ، فأرشَدَهنَّ إلى ما يُخَلِّصُهُنَّ من النَّارِ، وهو الصَّدقةُ مُطلقًا؛ لعلَّ اللهَ يَرحمُهنَّ بسَببِ الصَّدقاتِ، وكذلك باستِغفارِهِنَّ اللهَ سُبحانَه على ما اقتَرَفْنَ من ذُنوبٍ ومعاصٍ، ولمَّا سَمِع النِّساءَ ذلك سألَتِ امرأةٌ منهُنَّ «جَزْلَةٌ»، أي: ذاتُ عَقلٍ ورأيٍ، بِمَ استَحقَقنا ذلك؟ فبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّبَبَ بأنَّهُنَّ يُكثِرنَ اللَّعنَ، وهو السَّبُّ والشَّتمُ، أو الدُّعاءُ بالإبعادِ والطَّردِ من رَحمةِ اللهِ، ويَدورُ هذا اللَّعنُ على ألسِنَتِهِنَّ كَثيرًا لِمَن لا يَجوزُ لَعنُه، وكان ذلك عادةً جاريةً في نِساءِ العَرَبِ، فحذَّرَهُنَّ منه لِيَترُكْنَه، ويَكفُرنَ العَشيرَ، والمرادُ بالعَشيرِ الزَّوجُ، والمعنى: لا يَشكُرنَ أزواجَهُنَّ، ولا يَعتَرِفنَ بِفضلِهم، وقد فسَّره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في روايةٍ أُخرى عند البُخاريِّ ومُسلِمٍ بقَولِه: «لو أحسَنْتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّه، ثمَّ رأَت منكَ شَيئًا، قالت: ما رأيتُ مِنك خيرًا قَطُّ!»، فتقابِلُ ذلك الإحسانَ بالجُحودِ والإنكارِ، فقد غَلَبَ استيلاءُ الكُفرانِ على فِعلِها، فكأنَّها مُصِرَّةٌ عليه، والإصرارُ يَجعَلُ الذَّنبَ اليَسيرَ كبيرًا، وذلك أنَّ حَقَّ الزَّوجِ عظيمٌ، فَيَجِبُ عليها شُكرُه، والاعترافُ بِفضلِهِ؛ لِقيامِه على أُمورِها، وصيانتِه وحِفظِه لها، وبَذلِ نَفسِه في ذلك، وقد أمَرَ اللهُ مَن أُسديَت إليه نِعمةٌ أن يَشكُرَها؛ فكيف بِنِعَمِ الزَّوجِ التي يَبذُلَها الرَّجُلُ للمرأة في عُمُرِها كُلِّهِ؟!
ثمَّ وصَفَهُنَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّهنَّ ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ، وأنَّهنَّ أذهَبُ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحازِمِ، واللُّبُّ: العَقلُ الخالِصُ من الشَّوائبِ، فهو خالِصُ ما في الإنسانِ من قُواهُ، وهذا على سَبيلِ المُبالَغةِ في وَصفِهنَّ بذلِك؛ لأنَّه إذا كان الضَّابِطُ لأمرِه يَنقادُ لهُنَّ فغَيرُه أولى؛ فهُنَّ إذا أردنَ شَيئًا غالَبنَ الرِّجالَ عليه حتَّى يَفعَلوه، سواءٌ كان صَوابًا أو خطَأً!
ثم بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلامةَ نُقصانِ العَقلِ؛ بأن شَهادة امرأتين تَعدِلُ شَهادةَ رَجُلٍ، وهذا تنبيهٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما وَراءه، وهو ما نبَّه اللهُ تَعالَى عليه في كِتابِه بِقَولِه تَعالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فإنَّهُنَّ لا يُحسِنَّ تَذَكُّرَ الكلامِ، ولا ضَبطَهُ، ثم بيَّن نُقصانَ الدِّينِ بأنَّ المَرأةَ تَمكُثُ لَياليَ وأيامًا لا تُصلِّي؛ بِسَبَبِ الحَيضِ، وتُفطِرُ أيَّامًا من رمضانَ؛ بِسَبَبِ الحَيضِ.
وليس المرادُ بذِكرِ نقصِ العقلِ والدِّينِ في النِّساءِ لَومَهنَّ عليه؛ لأنَّه من أصلِ الخِلقةِ، لكنِ التَّنبيه على ذلك تَحذيرٌ من الافتِتانِ بهنَّ.
وفي الحديثِ: مُراجَعةُ المُتَعَلِّمِ للعالِمِ، والتَّابعِ للمَتبوعِ فيما قاله إذا لم يَظهَر له معناه.
وفيه: الحَثُّ على الصَّدَقةِ وأفعالِ البِرِّ، والإكثار من الاستِغفارِ وسائرِ الطَّاعاتِ.
وفيه: أنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئاتِ.
وفيه: إطلاقُ الكُفرِ على غَيرِ الكُفرِ باللهِ تَعالَى، ككُفرِ العَشيرِ، والإحسانِ، والنِّعمةِ، والحَقِّ.