باب ما جاء في الاعتكاف 1
سنن ابن ماجه
حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف كل عام عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما، وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين (2).
شَهرُ رَمَضانَ مَوسِمٌ للطَّاعةِ والعِبادةِ؛ ففيه تعلو هِمَّةُ العَبدِ للطَّاعةِ، ويُقبَل على اللهِ بالصَّلاةِ والصِّيامِ والقرآنِ والصَّدَقاتِ، ويُضاعِفُ اللهُ الأجرَ لعِبادِه تفضُّلًا وتكَرُّمًا منه سُبحانَه. وقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجتَهِدُ في العبادةِ في شَهرِ رَمَضانَ أكثَرَ مِن غَيرِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ كانَ يَعرِضُ ما نزل من القُرآنِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كُلِّ عامٍ مرَّةً، في ليالي رَمَضانَ، مِن زَمَنِ البَعثةِ، أو من بعدِ فَترةِ الوَحيِ إلى رمضانَ الذي توفِّيَ بَعْدَه، وعَرَض عليه القُرآنَ في رمضانَ الأخيرِ مِن عُمُرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّتينِ، وقد مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شَهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ في العامِ الحادِيَ عَشَرَ مِن الهِجرةِ في المدينةِ النَّبويَّةِ، وعليه فرمضانُ المشارُ إليه كان في العامِ العاشِرِ مِنَ الهِجرةِ. وعَرْضُ القرآنِ بمعنى مُدارَسَتِه، وهو المُقابَلةُ في القِراءةِ عن ظَهْرِ قَلبٍ، فيُدارِسُه جَميعَ ما نَزَلَ مِنَ القُرآنِ.
وكان جِبريلُ يُعارِضُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضانَ ما أُنزِلَ عليه، فيُحكِمُ اللهُ ما يشاء ويَنسَخُ ما يشاءُ، فكأنَّ السِّرَّ في عَرْضِه مَرَّتين في سنةِ الوفاةِ استقرارُه على ما كُتِبَ في المصحَفِ العثمانيِّ والاقتصارُ عليه وتَرْكُ ما عداه، ويحتَمِلُ أن يكونَ تَكرارُ العَرضِ في رمضانَ الأخيرِ؛ لأنَّ رمضانَ في السَّنةِ الأُولى من نزولِ القُرآنِ لم يقَعْ فيه مدارسةٌ؛ لوقوعِ ابتِداءِ النُّزولِ في رمضانَ، ثمَّ فَتَر الوَحيُ فوقَعَت المدارَسةُ في السَّنةِ الأخيرةِ مِن رَمَضانَ مَرَّتين ليَستويَ عَدَدُ السِّنينَ والعَرْضَ.
ويُخبر أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَعتكِفُ في كُلِّ عامٍ عَشرةَ أيَّامٍ بلياليهِنَّ، فاعتَكَفَ عِشرينَ يومًا في العامِ الَّذي قُبِضَ فيه. وظاهِرُه: أنَّه اعتَكَفَ عِشرينَ يَومًا مِن رَمضانَ، وهو مُناسِبٌ لِفعلِ جِبريلَ عليه السَّلامُ في عَرْضِ القرآنِ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّتينِ؛ حَيثُ ضَاعَفَ عَرضَ القُرآنِ في تِلك السَّنةِ. ويُحتمَلُ أنْ يَكونَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما ضاعَفَ اعتِكافَه في العامِ الَّذي قُبِضَ فيه مِن أجْلِ أنَّه عَلِم بانقِضاءِ أجَلِه؛ فأرادَ استِكثارَ عَملِ الخيرِ؛ ليَسُنَّ لأُمَّتِه الاجتهادَ في العَملِ إذا بَلَغوا أقْصَى العُمرِ؛ لِيلَقَوُا اللهَ على خَيرِ أحوالِهم.
وفي الحديث: الإكثارُ مِنَ فِعلِ الخَيرِ وقِراءةِ القُرآنِ في شَهرِ رَمَضانَ.
وفيه: فَضلُ شَهرِ رَمَضانَ.
وفيه: الحَثُّ على مُدارَسةِ القُرآنِ.
وفيه: الحَثُّ على الاعتِكافِ في رَمَضانَ.