باب ما جاء في الشق 2
سنن ابن ماجه
حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد، حدثنا عبيد بن طفيل المقرئ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة القرشي، حدثنا ابن أبي مليكة
عن عائشة، قالت: لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك، وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيا ولا ميتا، أو كلمة نحوها، فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم دفن - صلى الله عليه وسلم - (2).
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع عِظَمِ قَدرِه ومَنزلتِه عندَ الله تعالى لكنَّه بَشَرٌ كالبَشرِ وقد كتَب اللهُ عليه الموتَ كما كتَبه على جميعِ الخَلائِق، وقد مات ودُفِنَ في المكانِ الَّذي مات فيه، وفي هذا الحديثِ تُخْبِرُ أُمُّ المُؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها عن دفْنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتقولُ: "لمَّا مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اختلَفوا في اللَّحدِ والشَّقِّ"، أي: أيُّهما أفضَلُ، أو أيُّهما يُدْفَنُ فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان الشَّقُّ عادةُ أهلِ مكَّةِ، وهو حُفرةٌ مُستطيلةٌ في وسَطِ القبْرِ، تُبْنَى جوانِبُها باللَّبِنِ، أو غيرِه، يُوضَعُ فيه الميِّتُ، ويُسْقَفُ عليه باللَّبِنِ، أو الخشَبِ، أو غيرِهما، ويُرْفَعُ السَّقفُ قليلًا، بحيث لا يمَسَّ الميِّتَ، واللَّحدُ عادةُ أهلِ المدينةِ، وهو عِبارةٌ عن شَقٍّ بطولِ الميِّتِ، يُحْفَرُ في جنْبٍ مِن جوانبِ القبْرِ، ويُوضَعُ فيه الميِّتُ، ثمَّ يُوضَعُ الطُّوبُ اللَّبِنُ مِن خلْفِه حتَّى يُسنِدَه مِن الوُقوعِ مِن ذلك الشَّقِّ، "حتَّى تكلَّموا في ذلك"، أي: اختلَفوا، "وارتفَعَت أصواتُهم، فقال عمرُ: لا تَصْخَبوا"، أي: لا تَصيحوا وترفَعوا أصواتَكم"، وفي نسخةٍ: "لا تَضِجُّوا"، "عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حيًّا ولا ميِّتًا، أو كلمةً نحوَها"، أي: بما يُشابِهُ هذا القولَ مِن النَّهيِ عن رفْعِ الصَّوتِ، "فأرسَلوا إلى الشَّقَّاقِ واللَّاحِدِ جميعًا"، أي: فبعثوا إليهما ودَعُوهما للحُضورِ، والشَّقَّاقُ هو الَّذي يحفُرُ ويدفِنُ على طريقةِ الشَّقِّ، واللَّاحِدُ هو الَّذي يحفُرُ ويدفِنُ على طريقةِ اللَّحْدِ، "فجاء اللَّاحِدُ"، أي: هو الَّذي سبَقَ وأتى أوَّلًا، "فلحَدَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ دُفِنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" وكان اللَّاحِدُ أبا طلحةَ الأنصاريَّ رضِيَ اللهُ عنه، فقالوا: قد خَارَ لنبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد كان يرَى اللَّحْدَ فيُعْجِبُه، واللَّحدُ أستَرُ للميِّتِ.
وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للأنصارِ كما عندَ مُسلمٍ: "المَحْيا مَحْياكم، والمَماتُ مماتُكم"؛ فأراد إعلامَهم بأنَّه إنَّما يموتُ عِندَهم، ولا يُريدُ الرُّجوعَ إلى بلَدِه مكَّةَ، فوافَقَهم أيضًا في صِفَةِ الدَّفنِ، واختار اللهُ له ذلك وهو الأفضلُ، وإنْ كان الأمْرُ فيه سَعَةٌ، وإجماعُ العُلماءِ على مشروعيَّةِ اللَّحدِ والشَّقِّ( ).