باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله ﷺ 4
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، عن زكريا، عن فراس، عن عامر، عن مسروق
عن عائشة، قالت: اجتمعن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم تغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة كأن مشيتها مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"مرحبا بابنتي" ثم أجلسها عن شماله، ثم إنه أسر إليها حديثا، فبكت فاطمة، ثم إنه سارها، فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا قبض سألتها عما قال، فقالت: إنه كان يحدثني أن جبرائيل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضه به العام مرتين، "ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وأنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك" فبكيت، ثم إنه سارني فقال: "ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين" أو "نساء هذه الأمة؟ " فضحكت لذلك (1).
كانتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها أشبَهَ بَناتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به، وأحبَّهنَّ إليه.
وفي هذا الحَديثِ تَذكُرُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ فاطِمةَ أقْبَلَتْ آتيةً عليها، وهي تَمْشي كأنَّ هَيْئةَ مِشيَتِها مِشْيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك في مَرضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي مات فيه، فلمَّا رَآها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لها: «مَرْحبًا بابْنَتي»، وهذا مِن حُسنِ الاستِقْبالِ، ثمَّ أجلَسَها عن يَمينِه، أو عن شِماِله، ثمَّ أسرَّ إليها حَديثًا خاصًّا لا يَسمَعُه أحدٌ غَيرُها، فلمَّا سَمِعَتْه بكَتْ، فقالت عائشةُ: لِمَ تَبْكينَ؟ فلم تُجِبْها فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها، ثمَّ أسرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليها حَديثًا آخَرَ فضحِكَتْ، فقالت عائشةُ مُتعَجِّبةً: ما رأيْتُ فَرَحًا كفرَحٍ رَأَيتُه اليومِ؛ وذلك لأنَّه فَرَحٌ قَريبٌ مِن حُزنٍ! فسَأَلَتْها عمَّا قال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت فاطِمةُ: «ما كنْتُ لِأُفْشيَ سِرَّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، فلمَّا مات صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أعادَتْ عائشةُ سُؤالَها لفاطِمةَ، فقالت لها: إنَّه قال لها: «إنَّ جِبريلَ كان يُعارِضُني القُرآنَ كلَّ سَنةٍ مرَّةً، وإنَّه عارَضَني العامَ مرَّتينِ»، أي: إنَّه كان يُدارِسُه جَميعَ ما نزَل مِنَ القُرآنِ ويُراجِعُه معَه، وكان يَفعَلُ ذلك في كلِّ عامٍ مرَّةً، وقدْ فَعَل ذلك في هذا العامِ مرَّتَينِ، وفسَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذه إشارةٌ إلى مَوتِه هذا العامَ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لابنَتِه فاطِمةَ سرًّا: «وإنَّكِ أوَّلُ أهلِ بَيْتي لَحاقًا بي»، أي: أوَّلُ مَن يَموتُ مِن آلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَه، وكان هذا هو سَببَ بُكائِها رَضيَ اللهُ عنها، ثُمَّ قال لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أمَا تَرْضَينَ أنْ تَكوني سيَّدةَ أهلِ الجنَّةِ -أو نِساءِ المؤمِنينَ-؟». فضَحِكَتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها لَمَّا سَمِعَتْ هذه البِشارةَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.