باب ما يتعلق بالقراءات
بطاقات دعوية
حديث أبي الدرداء عن إبراهيم، قال: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم، فقال: أيكم يقرأ قراءة عبد الله قال: كلنا؛ قال: فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة؛ قال: كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى قال علقمة: والذكر والأنثى؛ قال: أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ (وما خلق الذكر والأنثى) ، والله لا أتابعهم
كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل كثيرة، وكان لكل واحد منهم فضيلة وميزة يعرف بها عن غيره
وفي هذا الحديث يذكر أبو الدرداء رضي الله عنه بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بما تميزوا وعرفوا به، فيخبر التابعي إبراهيم النخعي أن التابعي علقمة بن قيس -وكان قد سافر إلى الشام، ودخل مسجدها الجامع- قد دعا الله تعالى أن ييسر له جليسا صالحا، فجلس بجوار أبي الدرداء رضي الله عنه، فسأله أبو الدرداء رضي الله عنه: ممن أنت؟ فأجابه بأنه من الكوفة، وهي مدينة في العراق أنشأها الفاروق عمر رضي الله عنه، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: أليس منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ يقصد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلمه بالمنافقين وأحوالهم، وأطلعه على بعض ما يجري لهذه الأمة بعده، وجعل ذلك سرا بينه وبينه، ثم قال له: أليس فيكم من أجاره الله؟ أي: حفظه الله على لسان نبيه من الشيطان، يقصد عمار بن ياسر رضي الله عنه، ثم قال له: أليس فيكم صاحب السواك أو السرار، يقصد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد كان يتولى أمر سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعاهد خدمته، والمراد بالسرار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه إذا جاء؛ بل يدخل دون إذن حتى يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم المنخفض داخل بيته
ومراد أبي الدرداء بذلك أنه فهم منهم أنهم قدموا في طلب العلم، فبين لهم أن عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم، ويستفاد منه أن طالب العالم لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها.
ثم سأل أبو الدرداء رضي الله عنه علقمة: كيف كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ قوله تعالى: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى}؟ فأخبره علقمة أن ابن مسعود كان يقرأ الآية الثالثة منها: (والذكر والأنثى) بدلا من: {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3]، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما زال بي هؤلاء -يعني: أصحابه من أهل الشام- حتى كادوا يستنزلونني، أي: يجعلوني أترك وأتنازل عن شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قراءة: (والذكر والأنثى)؛ فقد كانوا يناظرونه على القراءة المشهورة المتواترة، والظاهر أنها نزلت أولا هكذا، ثم نزل: {وما خلق}، ولم يسمعها أبو الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهما، فاقتصرا على ما سمعاه
وفي الحديث: التمسك بما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم