باب ما يكره من التشديد في العبادة
بطاقات دعوية
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قالَ: دخلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فإِذا حَبْلٌ ممدودٌ بينَ الساريتَينِ، فقالَ: ما هذا الحبلُ؟ قالوا: هذا حبلٌ لزينبَ، فإِذا فتَرتْ تعلَّقتْ، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
"لا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه، فإِذا فَتَر فليقعُدْ".
يَنْبغي للمُسلمِ ألَّا يَتكلَّفَ ما لا يُطِيقُ أو ما يَشُقُّ عليه؛ لأنَّ اللهَ تعالَى لم يُكلِّفْه بذلك؛ قال تعالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وهكذا كان هدْيُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتوجيهُه للأُمَّةِ، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يَروي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخَلَ المسجدَ، فوجَدَ حَبْلًا مَربوطًا بيْن السَّاريتَينِ، وهما أُسطوانتانِ كالعَمودَينِ، فسَأَلَ عنه، فأُخبِرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الحَبْلَ لزَينبَ بنتِ جَحشٍ رَضيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّها تَضَعُه إذا صَلَّت، حتَّى إذا فتَرَتْ ومَلَّتْ تَعلَّقَتْ به، فرَفَضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، وأمَرَ مَن معه أنْ يَحُلُّوه، ثمَّ قال: لِيُصَلِّ أحدُكم نَشاطَه، فإذا فتَرَ فلْيَقعُدْ، أي: ليُصلِّ كلُّ مُسلِمٍ وَقتَ نَشاطِه وقُدرتِه على الصَّلاةِ، فإذا تَعِبَ أو أصابَه الملَلُ فلْيَقعُدْ، والمقصودُ بقولِه: «يَقعُد» إمَّا أنْ يكُفَّ عن الصَّلاةِ ويُسلِّمَ، أو أنْ يَجلِسَ فيها، وهو دَليلٌ على جَوازِ ابتِداءِ الصَّلاةِ قائمًا ثمَّ الجلوسِ فيها.
وإنَّما يُكرَهُ التَّشديدُ في العِبادةِ خَشيةَ الفُتورِ، وخَوفَ الملَلِ؛ لئلَّا يَنقطِعَ عنها المرءُ، فيكونَ كأنَّه رُجوعٌ فيما بَذَلَه مِن نفْسِه للهِ تعالَى، وتَطوَّعَ به.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّشديدِ في العِبادةِ، والأمرُ بالإقبالِ عليها بالنَّشاطِ.
وفيه: إزالةُ المُنكَرِ باليدِ لمَن يَتمكَّنُ منه وله وِلايةٌ في ذلك.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَنفُّلِ النِّساءِ في المسجِدِ.