باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، وقول الله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} 2
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عباس أن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى وجعه الذى توفى فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: [ألا تراه؟ 7/ 136] أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإنى والله لأرى (207) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا , إنى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت، [فـ] اذهب بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا؛ علمنا ذلك، وإن كان فى غيرنا؛ علمناه (وفي رواية: آمرناه)، فأوصى بنا. فقال على: إنا والله لئن سألناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنعناها؛ لا يعطيناها الناس بعده [أبدا]، وإنى والله لا أسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أبدا].
الثَّباتُ عندَ المُلِمَّاتِ وحُسنُ التَّصرُّفِ فيها خُلقٌ عَظيمٌ، مَن حازَهُ فقدْ أُعطِيَ خَيرًا كَثيرًا، غيرَ أنَّ أقدارَ الناسِ فيه مُتفاوِتةٌ، ولقد أُوتِيَ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه حَظًّا كَبيرًا، وتَفاوَتَت أقْدارُهم فيه أيضًا، وقد ظَهَرَ هذا التَّفاوُتُ في مَوقفِهم يومَ وَفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان أعظمَهم ثَباتًا أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه، كما يبيِّنُ هذا الحَديثُ، حيثُ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه خرَجَ مِن حُجرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ وَفاتِه، فوَجَدَ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه يَنْفي مَوتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويُكلِّمُ النَّاسَ ويَقولُ لهم: ما مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ! فأمَرَه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بالجُلوسِ، فرفَضَ عمَرُ، فبَدَأَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بالكَلامِ، فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، فالْتَفَّ النَّاسُ حَوْلَه وتَرَكوا عُمَرَ، فأخبَرَهُم أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد مات حَقيقةً، فقال: مَن كان يَعبُدُ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّ محمَّدًا قد مات، ومَن كان يَعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموتُ، ثمَّ تَلا لهم قولَ اللهِ تعالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، وفي الآيةِ تَحذيرٌ للمُسلِمينَ أنْ يكونَ في مَوتِ رَسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِتنةٌ تَجعَلُهم يَرْتدُّون عن دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فلمَّا سَمِع النَّاسُ منه ذلك كأنَّهم لم يَكونوا يَعلَمون بنُزولِها، وكأنَّها أُنزِلَت الآنَ؛ بسَببِ ما همْ فيه مِن الحُزنِ، فتَلَقَّاها منه النَّاسُ، وأخَذَ يَتْلوها كلُّ واحدٍ منهم.
وفي الحديثِ: أنَّ الصِّدِّيقَ أبا بَكرٍ أعلَمُ وأفضلُ مِن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فهذه إحدَى المسائلِ التي ظَهَرَ فيها ثاقِبُ عِلمِه، وفَضْلُ مَعرفتِه، ورَجاحةُ رَأْيِه.
وفيه: أنَّ مَن كان في أمرٍ مُهمٍّ وأرادَ الإفصاحَ به، فتَكلَّمَ إنسانٌ بحَضرتِه، فسَكَّتَه فلمْ يَسكُتْ: أنَّه لا يَشغَلُ الوَقتَ بالاشتِغالِ بمُجادلتِه وتَسكيتِه، بل يَعدِلُ هو إلى ذِكر ما يَعلَمُه كما فعَل أبو بَكرٍ مع عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: تنبيهٌ على فَضيلةِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بما قالَه في البَديهةِ، وما استشهَدَ به مِن كِتابِ اللهِ تعالَى.
وفيه: أنَّ الناسَ تَغيبُ عنهم معاني القُرآنِ عِندَ الحَوادثِ، فإذا ذُكِّروا بها عرَفُوها.