باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، وقول الله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} 1
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عباس أن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى وجعه الذى توفى فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: [ألا تراه؟ 7/ 136] أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإنى والله لأرى (207) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا , إنى لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت، [فـ] اذهب بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا؛ علمنا ذلك، وإن كان فى غيرنا؛ علمناه (وفي رواية: آمرناه)، فأوصى بنا. فقال على: إنا والله لئن سألناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنعناها؛ لا يعطيناها الناس بعده [أبدا]، وإنى والله لا أسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أبدا].
لم يكُنْ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه يَسْعى لرِياسةٍ، أو خِلافةٍ طلَبًا لمَتاعِ الحَياةِ الدُّنْيا، وإنَّما وَليَ الخِلافةَ لمَّا طُلِبَ إليها، وتَمسَّكَ بها لَمَّا رَأى أنَّ مَصلَحةَ المُسلِمينَ في اجْتِماعِهم عليه، وأنَّ تَرْكَه لها يَفتَحُ بابًا مِن أبْوابِ الفِتَنِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه خرَجَ مِن عندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مرَضِه الَّذي مات منه، وكان هذا في السَّنةِ الحاديةَ عَشْرةَ مِن الهِجْرةِ، فلمَّا خرَجَ قال له النَّاسُ: يا أبا حَسَنٍ -كُنْيةُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه- كيف أصبَحَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فقال: أصبَحَ بحَمدِ اللهِ بارِئًا، يَعني: أنَّه أفاقَ مِن مرَضِه، بحسَبِ ظنِّه رَضيَ اللهُ عنه، أو قال ذلك للتَّفاؤلِ، أو بارِئًا مِن كلِّ ما يَعْتَري المَريضَ مِن القَلقِ والغَفْلةِ.
فأخَذَ العَبَّاسُ رَضيَ اللهُ عنه بيَدِه، وقال له: أنتَ واللهِ بعْدَ الثَّلاثِ عَبدُ العَصا، وهذه كِنايةٌ أنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه سيكونُ تابِعًا مأْمُورا لغَيرِه، يَعني: أنَّه لن يكونَ خَليفةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ كان العَبَّاسُ رَضيَ اللهُ عنه يُريدُ مِن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَطلُبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خِلافتَه مِن بعْدِه، وأخبَرَه العبَّاسُ أنَّه يظُنُّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَموتُ في مرَضِه هذا، وهذا الَّذي قالَه مُستَنِدًا فيه إلى الخِبْرةِ، حيث قال: وإنِّي لَأعْرِفُ في وُجوهِ بَني عبدِ المُطَّلِبِ المَوتَ، أي: عَلاماتِ المَوتِ الَّتي تَظهَرُ عليهم، وعبدُ المُطَّلِبِ جدُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثمَّ طلَبَ العبَّاسُ مِن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنهما أنْ يَذهَبا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَسأَلاه فيمَن سيَكونُ أمرُ الخِلافةِ مِن بعْدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنْ كان فيهم عَرَفوا ذلك، وإنْ كان في غَيرِهم طَلَبوا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُوصيَ بهم الخَليفةَ بعْدَه، فرفَضَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَسألَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا الأمْرَ، مُعلِّلًا ذلك بأنَّه لو سَأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخِلافةَ، فرفَضَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكونَ عَليٌّ الخَليفةَ مِن بعدِه؛ فإنَّ النَّاسَ يَرفُضونَ بعْدَ ذلك إمارَتَه أبدًا؛ لرَفضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّه على كلِّ حالٍ لنْ يَسألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الإمارةَ؛ لأنَّه رَضيَ اللهُ عنه لم يكُنْ طالبًا لها، أو ساعيًا إليها.
وقدْ كان عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه مُحِقًّا في رَأيِه، وقدْ ظهَرَ ذلك في أنَّ النَّاسَ اخْتاروه خَليفةً بعْدَ مَوتِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه اعْتِمادًا على فَضلِه، وشَرفِه، وسابِقَتِه في الإسْلامِ، ولو كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ رفَضَ طلَبَه لمَا ولَّاه النَّاسُ أبدًا.
وفي الحَديثِ: فَضلُ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وحِكْمتُه، وزُهدُه في الإمارةِ.
وفيه: ما يدُلُّ على حُسنِ فِطنةِ العبَّاسِ بما ذكَرَه مِن العَلامةِ الَّتي رَآها لبَني عبدِ المُطلَّبِ عندَ المَوتِ.