باب مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه47
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن صخر بن جويرية، عن هشام بن عروة، قال: أوصى الزبير، إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل، فقال: «ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فرجه». «هذا حديث حسن غريب من حديث حماد بن زيد»
لقد جاهَدَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنهم في اللهِ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حَقَّ الجِهادِ؛ لإعلاءِ كَلِمتِه، وتَنفيذًا لأمْرِه، ومُجاهَدةً لأعدائِه، فأُوذوا وصبَروا للهِ ابتِغاءَ ما عِندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، ومِن هؤلاءِ الصَّحابةِ الذي أبْلَوْا بلاءً حسنًا الزُّبَيرُ بنُ العوامِ رضِيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ هِشامُ بنُ عُروةَ: أوصى الزُّبيرُ إلى ابنِه عَبدِ اللهِ "صَبيحَةَ الجمَلِ"، أي: يَومَ الجمَلِ، وسُمِّي بذلك نِسبةً إلى جَملِ عائشةَ رَضِي اللهُ عَنها، وهي مَوقعةٌ حدَثَتْ بالبصرةِ بين عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه ومَن معَه، والزُّبيرِ وطَلْحةَ وعائِشةَ رَضِي اللهُ عَنهم ومَن معَهم، وكان سبَبُ ذَهابِ عائِشةَ رَضِي اللهُ عَنه للإصلاحِ، وليس للقِتالِ ثمَّ اضطرَبَتِ الأمورُ بسَببِ بعضِ المنافِقينَ وحدَث ما حدَث مِن الفِتنةِ، "فقال"، أي: الزُّبيرُ رَضِي اللهُ عَنه إلى ابنِه عبدِ اللهِ: "ما منِّي عُضوٌ إلَّا وقد جُرِح مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حتَّى انتَهى ذلك إلى فَرْجِه"، أي: إنَّه جُرِح في كامِلِ بدَنِه في مَواضعِ القِتالِ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهذا مِن عَظيمِ شأنِه وأمرِه؛ إذ كان ذلك كلُّه في الجِهادِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
ولَعلَّ الزُّبيرَ رضِيَ اللهُ عنه قال ذلك في هذا الوقتِ مُذكِّرًا نفْسَه ووَلدَه بجِهادِه مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه يَبتَغي الحقَّ في هذه الفِتنةِ، أو لأنَّه لَمَّا أحَسَّ بقُربِ أجَلِه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَر له أنَّه يَموتُ شَهيدًا، فأوصَى لأنَّه داخِلٌ في حَربٍ، فربَّما يُقتَلُ، فأَوْصَى ولَدَه بقَضاءِ دُيونِه وعرَّفها له، وأوصَى بثُلثِ مالِه، وقد انْفَصَل الزُّبيرُ رَضِي اللهُ تَعالى عَنه مِن عَسْكَرِ عائِشةَ وتَبِعه عَمْرُو بنُ جُرموزٍ فقَتَلَه، وأخَذ رَأسَه وذهَب بِه إلى عَليٍّ، فَقيل لعَليٍّ: هَذا ابْنُ جُرموزٍ قد أتاك بِرَأْسِ الزُّبيرِ! فقالَ: "بَشِّروا قاتِلَ الزُّبيرِ بالنَّارِ"!
وفي الحديثِ: مَنقَبةٌ وفضيلةٌ للزُّبيرِ رَضِي اللهُ عَنه.