باب من أظهر الفاحشة2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن القاسم بن محمد، قال ذكر ابن عباس المتلاعنين، فقال له ابن شداد: هي التي قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها؟ " فقال ابن عباس: تلك امرأة أعلنت (1)
الحدودُ عُقُوباتٌ رادِعةٌ لِمن وقع في جريمةٍ، مِثلِ السَّرِقةِ والزِّنا والقَتلِ العَمْدِ، وقد حدَّد الشَّرعُ شُروطَ إقامةِ هذه الحُدودِ، ومنها إقامةُ الدَّليلِ القاطِعِ على ارتكابِ ما يُوجِبُ الحَدَّ.
وفي هذا الحَديثِ ذَكَر عبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهُما قِصَّةَ تَلاعُنِ أحدِ الصَّحابةِ وزَوجتِه، والتَّلاعُنُ يُعمَل به إذا اتَّهَمَ الزَّوجُ زوْجتَه بالفاحشةِ، ولم يكُنْ له شاهدٌ إلَّا نفسُه، كما جاء في قَولِ اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6-8].
فسَأَل التَّابعيُّ عبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ اللَّيْثِيُّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهُما -وهو ابنُ خالتِه-: هل تقصِدُ زوجةَ هذا الصَّحابيِّ الملاعِنِ، الَّتِي قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها: «لوْ كُنتُ راجِمًا امرأةً عن غيْرِ بيِّنةٍ» رَجَمْتُ هذِه؟ أي: لو كنتُ متعَدِّيًا حَقَّ اللهِ فيها إلى ما قام من الدَّلالةِ عليها لرجمتُ هذه؛ لبيانِ الدَّلائِلِ على فِسْقِها، ولكِنْ ليس لأحدٍ أن يَرجُمَ بغَيرِ بيِّنةٍ، فيتعدَّى حُدودَ اللهِ، واللهُ قد نَصَّ ألَّا تُتعَدَّى حُدودُه لِما أراد تعالى من سَترِ عبادِه. فقال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهُما: «لا»، ولكِنِ المقصودُ «امرأةٌ أَعْلَنَتْ»، أي: أَظهرتْ فِعلَ الفاحشةِ والسُّوءِ واستُفيضَ عنها ذلك، ولكِنْ لم تَقُمِ البَيِّنةُ عليها بذلك ولا اعتَرَفَت؛ فدَلَّ على أنَّ الحَدَّ لا يجِبُ بالاستِفاضةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّه ليْس لأحدٍ أنْ يَحُدَّ شخصًا بغيْرِ بيِّنةٍ وإنِ اتُّهِمَ بفاحشةٍ.