باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر 2
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل".
الأملُ مَطبوعٌ في جَميعِ بَني آدَمَ؛ فلولاهُ ما تهنَّى أحدٌ بعَيشٍ، ولا طابتْ نفْسُه أنْ يَشرَعَ في عمَلٍ مِن أعمالِ الدُّنيا، وإنَّما المذمومُ منه الاسترسالُ فيه، وترْكُ الاستعدادِ لأمرِ الآخرةِ، فمَن سَلِم مِن ذلك لم يُكلَّفْ بإزالتِه.
وفي هذا الحديثِ يخبرُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ قَلْبَ المرءِ «الكبيرِ» الشَّيخِ يَظَلُّ «شابًّا» قَوِيًّا مهْما كَبِر سِنُّه، وهو يحِبُّ خَصْلتَين، وهما: حُبُّ الدُّنيا ومَن فيها مِن مالٍ ونِساءٍ وبنينَ وغيرِ ذلك، وحُبُّه لطُولِ الأملِ في الحياةِ ونِسيانِ الموتِ.
والحِكمةُ في التَّخصيص بهذَين الأمْرَين أنَّ أحَبَّ الأشياءِ إلى ابنِ آدمَ نفْسُه؛ فهو راغبٌ في بَقائها؛ فأحَبَّ لذلك طُولَ الأملِ وطُولَ العُمرِ، وأحَبَّ الدُّنيا؛ لأنَّه مِن أعظمِ الأسبابِ في دَوامِ التَّمتُّعِ بالشَّهواتِ مع الصِّحَّةِ التي يَنشَأُ عنها غالبًا طُولُ العُمرِ، فكلَّما أحَسَّ بقُربِ نَفادِ ذلك، اشتدَّ حُبُّه له، ورَغبتُه في دَوامِه.
وهذا تنبيهٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما فطر عليه النَّاسَ من حبِّ الدُّنيا وطولِ الأمَلِ؛ حتى لا يغتَرُّوا ولا يُلهِيَهم ذلك عن مجاهَدةِ النَّفسِ؛ لِيَمتَثِلوا ما أُمِروا به من الطَّاعةِ وينزَجِروا عمَّا نُهُوا عنه من المعصيةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ حُبَّ الدُّنيا وكَراهيةَ الموتِ يَتساوى فيه الشَّبابُ والشُّيوخُ.
وفيه: الحثُّ على الإقبالِ على الآخِرةِ بالكلِّيَّةِ.
وفيه: ذمُّ طُولِ الأمَلِ، والحِرصِ على جمعِ حُطامِ الدُّنيا، خاصَّةً لِمن كَبِر سِنُّه.