باب من زار قوما فقال عندهم
بطاقات دعوية
عن أنس: أن أم سليم كانت تبسط للنبي - صلى الله عليه وسلم - نطعا، فيقيل عندها على ذلك النطع، قال: فإذا نام النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذت من عرقه وشعره (11) فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سك (12)، قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة، أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك. قال: فجعل في حنوطه.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعُودُ أصحابَه ويتَفَقَّدُهم، وهو للجميعِ بمثابةِ الأبِ والرَّاعي، وكان أهلُ البُيوتِ يَفرَحون بقُدومِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليهم؛ لِما في ذلك من التكريمِ لهم والإنعامِ عليهم بما يُفيضُه اللهُ على المكانِ من البركةِ والنُّورِ والخيرِ المصاحِبِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أَنَسٌ رضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَنامُ وقْتَ القَيْلولَةِ عندَ أُمِّه أُمِّ سُلَيْمٍ رضِيَ اللهُ عنها -وهي مِن مَحَارِمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقد كانت أمُّ سُلَيمٍ وأختُها أمُّ حرامٍ بنتُ مِلحانَ وأخوهما حرامٌ أخوالَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الرَّضاعِ.
وكان يَنامُ على نِطَعٍ تَفرُشُه، والنِّطَعُ: بِساطٌ مِن الجِلْدِ، فتَأخُذُ بعْدَ نومَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما عَلِق بالنِّطَعِ مِن عَرَقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان كثيرَ العَرَقِ، وما تَساقَطَ مِن شَعَرِه عليه، فتَجمَعُه في قَارُورَة -وهي إناءٌ من زُجاجٍ- ثُمَّ تَجمَعُه في سُكٍّ فتضيفُه عليه، والسُّكُّ: هو طِيبٌ مُرَكَّبٌ مِن عِدَّةِ أنواعٍ مِن الطِّيبِ، وفي روايةِ مُسلمٍ: «فقال: يا أمَّ سُلَيمٍ، ما هذا الذي تصنعينَ؟ قالت: هذا عَرَقُك نجعَلُه في طِيبنِا؛ إذ هو مِن أطيَبِ الطِّيبِ».
ويخبرُ التابعيُّ ثمامةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أنسٍ أنَّه لَمَّا حَضَرَتْ أَنَسًا رضِيَ اللهُ عنه الوَفاةُ، أَوْصَى أنْ يُجعَلَ في حَنُوطِه -والحنوطُ هو الطِّيبُ الذي يُوضَعُ على الميِّت بعْدَ غُسْلِه- مِن ذلك الطِّيبِ الذي فيه مِن عَرَقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَعَرِه؛ ففُعِل به هذا.
وفي الحَديثِ: بَرَكَةُ آثارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: بيانُ تواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد كان يَقِيلُ عند أمِّ سُلَيمٍ رَضِيَ اللهُ عنها.