باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه، فأتم الحديث ثم أجاب السائل
بطاقات دعوية
عن أبي هريرةَ قالَ: بينما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مجلسٍ يحدِّثُ الْقومَ، جاءهُ أعرابيٌّ، فقالَ: متَى الساعةُ؟ فمضَى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يحدِّثُ، فقالَ بعضُ الْقومِ: سَمعَ ما قالَ، فكَرِهَ ما قالَ، وقالَ بعضُهم: بلْ لم يَسمَعْ، حتى إِذَا قضَى حديثَهُ قالَ: " أينَ- أُراهُ- السائِلُ عنِ الساعةِ؟ ". قالَ: هَا أَنَا يا رسولَ اللهِ، قالَ: "فإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانةُ، فانتظِرِ الساعةَ". قالَ: كيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قالَ:
" إِذا وُسِّدَ (وفي رواية: أُسنِد ) الأَمرُ إلى غيْرِ أهلهِ فانتظِرِ الساعةَ".
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ الناسَ أُمورَ الدِّينِ، ويُجيبُ عن تَساؤلاتِهم؛ ليُجلِّيَ لهم الحقَّ، ويُبيِّنَ ما يَنفعُهم في أُمورِ الدُّنيا والآخِرةِ، وبعضَ أُمورِ الغَيبِ التي أعْلَمَه اللهُ بها.
وفي هذا الحديثِ يَروي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُحدِّثُ أصحابَه ويُعلِّمُهم، فجاء رجُلٌ أعرابيٌّ وهو الذي يَسكُنُ الصَّحراءَ، فسَأَله: متى الوقتُ الَّذي تقومُ فيه القيامةُ؟ فلم يُجِبْه مُباشرةً، وإنَّما أكمَلَ حَديثَه مع الناسِ، وهذا مِن حُسنِ أدَبِه ألَّا يَقطَعَ الحديثَ الأوَّلَ حتى يُنهِيَه ويَفهَمَه السامعونَ، وظنَّ البعضُ أنَّه كَرِهَ هذا السُّؤالَ، وظنَّ آخَرون أنَّه لم يَسمَعْه مِن الأعرابيِّ، فلذلك لم يُجِبْ عليه، ولكنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا أنْهى حَديثَه أقبَلَ على الأعرابيِّ وأجابَهُ بأنَّه: إذا ضُيِّعَت الأمانةُ، وفسَّرَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: «إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غَيرِ أهْلِه»، أي: تَولَّاه غيرُ أهلِ الدِّينِ والأمانةِ ومَن يُعِينُهم على الظُّلمِ والفُجورِ، فعندَ ذلك يكونُ الأئمَّةُ قد ضيَّعوا الأمانةَ الَّتي فرَضَ اللهُ عليهم، حتَّى يُؤتمَنَ الخائنُ، ويُخَوَّن الأمينُ، وهذا إنَّما يكونُ عندَ غلَبةِ الجَهلِ، وضَعْفِ أهلِ الحقِّ عن القيامِ به، نَسأَلُ اللهَ العافيةَ.
وفي الحديثِ: الرِّفقُ بالسَّائل وإنْ جَفَا في سُؤالِه أو جَهِلَ. وفيه: العِنايةُ بالسَّائلِ وطالبِ العِلمِ، والاهتمامُ به، وإجابتُه على سُؤالِه.
وفيه: أنَّ مِن أكبرِ الأمانةِ إسنادَ الأمرِ إلى أهْلِه، وأنَّ تَضييعَ ذلك تَضييعٌ للأمانةِ.
وفيه: مُراجَعةُ العالِمِ إذا لم يَفهَمِ السائلَ.