باب فضل صلاة الفجر في جماعة
بطاقات دعوية
عن أمِّ الدَّرْداء قالتْ: دخلَ عليَّ أبو الدَّرداءِ وهو مُغضَبٌ، فقلتُ: ما أغضبَكَ؟ فقالَ: والله ما أَعرِفُ من أمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً إلا أنهم يُصَلُّونَ جميعاً.
حُبُّ دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وتَعليمُه للناسِ، والغضَبُ والحُزنُ إذا نَسِيَ الناسُ منه شَيئًا، والمُبادَرةُ إلى نُصْحِهم وتَذكيرِهم؛ واجبٌ على كلِّ مُسلِمٍ بقَدْرِ عِلمِه واستِطاعتِه، وكان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أحرَصَ الناسِ على هذا الأمْرِ.
وفي هذا الحديثِ تَحكي أمُّ الدَّرداءِ -واسمها: هُجَيمةُ، وهي الصُّغرى التَّابعيَّةُ- أنَّ زَوجَها أبا الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه -واسمُه عُويمِرُ -أو عامرُ- بنُ زَيدٍ الخَزْرجيُّ- دخَلَ عليها يومًا وهو غاضبٌ، فسَألَتْه عن سَببِ غَضَبِه، فقال: واللهِ ما أعرِفُ مِن أُمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا إلَّا أنَّهم يُصلُّون جميعًا، أي: لا يَعرِفُ شيئًا أبقَوْه مِن شَريعةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا صَلاتَهم في جَماعةٍ، وقد قال هذا حُزنًا منه على ما رأى في الناسِ مِن النَّقصِ في أمْرِ الدِّينِ، ولا شكَّ أنَّ هذا أمْرٌ نِسبيٌّ، وأنَّ أهلَ عَصْرِه كانوا يُحافِظون على أغلَبِ شَريعةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما غضِبَ أبو الدَّرداءِ؛ للاختِلافِ بيْن زَمانِ النُّبوَّةِ وما تَلاهُ، ولا شكَّ في وُجودِ الفَرقِ بيْنهما، خُصوصًا مع ظُهورِ الفِتنةِ في زَمانِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، وإلَّا فزَمانُهم مِن الأزمنةِ الثَّلاثةِ الَّتي قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها في الحديثِ المُتَّفقِ عليه: «خَيرُ النَّاسِ قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونهم، ثمَّ الَّذين يَلُونهم».ولا تَعارُضَ بيْن ما قالَهُ أبو الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه وبيْن نَهْيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن وَسْمِ الناسِ بالهَلاكِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «إذا قال الرَّجُلُ: هَلَكَ الناسُ، فهو أهْلَكُهُم»، فقد اتِّفَقَ العُلماءُ على أنَّ هذا الذَّمَّ إنَّما هو فيمَن يَقولُه على سَبيلِ احتِقارِ الناسِ وتَفضيلِ نفْسِه عليهم وتَقبيحِ أحوالِهِم؛ لأنَّه لا يَعلَمُ سِرَّ اللهِ في خَلْقِه، وأمَّا مَن قال ذلك تَحزُّنًا لِما يَرى في نفْسِه وفي الناسِ مِن النَّقصِ في أمْرِ الدِّينِ، فلا بَأسَ عليه، كما أنَّه لم يَقُلْ بأنَّ الناسَ قدْ هَلَكوا وضَيَّعوا الدِّينَ، بلْ قال ذلك مُقارَنةً بيْن أحوالِه وأحوالِ أصحابِه مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد أخبَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَأْتِي زَمانٌ إلَّا الَّذي بَعْدَه شَرٌّ منه، أخرَجَه البخاريُّ.
وفي الحديثِ: الغضَبُ عندَ تَغيُّرِ شَيءٍ مِن أُمورِ الدِّينِ، ومَشروعيَّةُ إنكارِ المُنكَرِ بالغَضَبِ إذا لم يَستطِعْ أكثَرَ مِن ذلك.