[باب] {أولي الأمر منكم}: ذوي الأمر
بطاقات دعوية
عن ابن عباس - رضى الله عنهما -: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}؛ قال: نزلت فى عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى؛ إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - فى سرية.
مِن أُصولِ الشَّريعةِ: أنَّه لا طاعةَ لِمَخلوقٍ في مَعصيةِ الخالقِ، ويَدخُلُ تحْتَ هذا الأصلِ كلُّ مَن أُمِرَ بَطاعةِ أحدٍ؛ فالابنُ عليه طاعةُ والدَيْه، لكنْ في غَيرِ مَعصيةٍ، وأفرادُ الرَّعيَّةِ عليهم طاعةُ وُلاةِ أُمورِهم في غيرِ مَعصيةِ اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما سَببَ نُزولِ قولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]: أنَّها نزَلَتْ في عبدِ اللهِ بنِ حُذافَةَ بنِ قَيْسِ بنِ عَدِيٍّ القُرَشيِّ السَّهميِّ، من قُدَماءِ المُهاجِرينَ، توفِّيَ بمصرَ في خلافةِ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما؛ إذ بَعَثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَريةٍ أَميرًا عليها، وفي الطَّريقِ غَضِب فأمَرَ أصحابَه أنْ يُوقِدوا نارًا، وأمَرَهم أنْ يَدخُلوا فيها، فرفَضَ البعضُ وهمَّ البعضُ بِالدُّخولِ، فنزَلَتْ فيهمُ الآيةُ، والمقصودُ منها قولُه تعالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}؛ لأنَّ أهلَ السَّريَّةِ تَنازَعوا في امتِثالِ ما أمَرَهم به، فالَّذينَ همُّوا أنْ يُطيعوه وقَفوا عندَ امتثالِ الأمرِ بِالطَّاعةِ، والَّذين امتنَعُوا عارضَ عندَهمُ الأمرُ بالفِرارِ مِنَ النَّارِ، فناسَبَ أنْ يَنزِلَ في ذلك ما يُرشِدُهم إلى ما يَفعَلونَه عندَ التَّنازعِ، وهو ردُّ الأمرِ إلى اللهِ وإلى رَسولِه، أي: إنْ أمَرَهم الأميرُ بأمرٍ فَلْينظُروا في كِتابِ اللهِ تعالَى وسُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنْ كان هذا الأمرُ طاعةً امتثَلُوا أمْرَه، وإنْ كان مَعصيةً لم يُطيعوه في مَعصيةٍ، والْتَزَموا طاعتَه فيما سِوى ذلك.
وقولُه: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ذُكرَ فيها أقوالٌ؛ منها: أنَّهم الولاةُ والأمراءُ أصحابُ الطَّاعةِ والائتمارِ، ومنها: أنَّهم أهلُ الفِقهِ والعِلمِ، وقيل: هُم كلُّ مَن وَلِيَ أَمْرَ شَيءٍ مِنْ أمورِ المسلمينَ مِن الأُمراءِ والعُلماءِ.