باب من قال فيه ولعقبه
دثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهرى عن أبى سلمة عن جابر بن عبد الله قال إنما العمرى التى أجازها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول هى لك ولعقبك.
فأما إذا قال هى لك ما عشت. فإنها ترجع إلى صاحبها.
حث الإسلام على التكافل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وللتكافل صور كثيرة؛ كالزكاة، والصدقة، والهبات، ومن أنواع الهبات الرقبى والعمرى، وهما نوع خاص من الهبات
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العمرى"، والعمرى: هي تمليك المنافع للغير كالهبة والهدية، وصورتها: أن يقول الرجل للرجل: داري هذه لك عمرك، أو يقول: داري هذه لك عمري، أي: مدة عمرك أو مدة عمري، "جائزة لمن أعمرها"، أي: صحيحة إن بقيت عند الموهوب له حياته وموته، لا أن ترجع للواهب بعد موت الموهوب له، فتكون العمرى لمن وهبت له حياته، ولورثته من بعده، "والرقبى"، من المراقبة، وهي: أن يقول الإنسان لغيره: قد وهبت لك هذه الدار، فإن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك فهي لك؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، والمعنى أنها ثابتة، ومستمرة لمن جعلت له إلى الأبد، لا رجوع فيها للمعطي أصلا، "والعائد في هبته"، أي: الذي يهب شيئا لإنسان، ثم يطلبه منه بعد إعطائه إياه، "كالعائد في قيئه"، أي: كالذي يلعق القيئ بعد أن ألقاه، وهذا مبالغة في قبح الرجوع بالهبة، وهذا من أدلة أنها تصبح ملكا للموهوب له، فتنتقل بموت الآخذ لورثته لا إلى المعمر الواهب والمرقب وورثتهما.
وفي صحيح مسلم، أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها". وقد ورد النهي عن العمرى والرقبى، كما عند النسائي وابن ماجه: "لا رقبى"، وفي لفظ: "لا ترقبوا أموالكم"، وفي لفظ: "لا تحل الرقبى"، وفي رواية: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرى والرقبى"، ووجه هذا النهي بأنه لما كان منها على صفة الجاهلية، وهي العمرى أو الرقبى المؤقتة، أما إذا كانت مؤبدة بأن كانت للموهوب له مدة حياته، وجعلت بعد موته لعقبه وورثته؛ فلا شيء فيها، وهذا هو المراد بهذا الحديث