باب من مثل بعبده فهو حر
سنن ابن ماجه
حدثنا رجاء بن المرجى السمرقندي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا أبو حمزة الصيرفي، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صارخا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك؟ " قال: سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "علي بالرجل". فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب فأنت حر" قال: على من نصرتي يا رسول الله؟ قال: يقول: أرأيت إن استرقني مولاي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على كل مؤمن أو مسلم" (3).
جاء الإسلامُ وكان نِظامُ الرِّقِّ قائمًا، وكان الرَّقِيقُ خَدَمًا لأسيادِهم، وجزءًا مِن أموالِهم يَتكَسَّبُون ببيعِه وشِرائِه وعمَلِه وغيرِ ذلك، فتدَرَّج الإسلامُ في تحريرِ الرَّقيقِ، وجعَلَ بعضَ الكفَّاراتِ إعتاقًا لهم، كما أمَرَ بحُسْنِ مُعامَلتِهم، ومَن أساءَ إلى مَملوكِه: بضربٍ، أو تجويعٍ، أو قطعِ عُضوٍ منه، فإنَّه يُعتِقُه كفَّارةً عن هذه الإساءةِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه "جاء رجلٌ مُستصْرِخٌ"، أي: يَستغيثُ ويَطلُبُ النَّجْدةَ والغَوْثَ، "فقال: جاريةٌ له يا رسولَ الله"، أي: أستغيثُ لِما حدَث لي بسبَبِ جاريةٍ له، والضَّميرُ يعودُ على السيِّدِ المالكِ للعبدِ.
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وَيْحكَ! ما لكَ؟"، وهي كلمةٌ تُقالُ عندَ التَّفجُّعِ أو التَّوجُّعِ مِن شرٍّ وقَع، والمعنى: ما بِك وما أصابك؟ فقال المملوكُ مُجيبًا: "شرٌّ!" أي: وقعَ شرٌّ، أو الأمرُ الذي حدَث شرٌّ، فقال: "أبْصَرَ لسيِّدِه جاريةً له" أي: نظَر المملوكُ إلى جاريةٍ أخرى مِلْكٍ لسيِّدِه، وفي روايةٍ: "سيِّدي رآني أُقبِّلُ جاريةً له"، "فغَار"، أي: وقَعَتْ مِن سيِّدِه غَيْرةٌ على جاريتِه، والغَيْرةُ: الحَميَّةُ والأنَفَةُ؛ "فجَبَّ مَذاكيرَه"، أي: قطَع سيِّدُه ذَكَرَه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "عليَّ بالرَّجُلِ"، أي: أَحْضِروا السَّيِّدَ؛ قال عبدُ اللهِ: "فطُلِب، فلم يُقدَرْ عليه" أي: سعَوْا في إحضارِه فلم يَتمَكَّنوا منه، ولم يَستَطيعوا إحضارَه.
فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للعبدِ: "اذهَبْ فأنت حُرٌّ"، أي: أنت حرٌّ نَظيرَ ما فعَلَه بك، وقد صَحَّ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يُعتِقَ العبدَ مِن مالِ غيرِه بسبَبِ خَطئِه؛ لأنَّه هو الإمامُ والحاكمُ؛ فقال المملوكُ الَّذي أُعتِق: "يا رسولَ الله، على مَن نُصْرتي؟" أي: مَن يَنصُرُني ويُعينُني إن جاء سيِّدي وأرادَ أن يَرُدَّني في الرِّقِّ- كما ورد في الرِّواية الأخرى للحديثِ- فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "على كلِّ مؤمنٍ- أو قال: على كلِّ مسلمٍ"، أي: يَسْعى المسلِمون في نُصْرَتِك إذا ما طلَبَك سيِّدُك