[باب] {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}
بطاقات دعوية
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاءه فقال: [622 - يا أبا عبد الرحمن! ما حملك على أن تحج عاما، وتعتمر عاما، وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي! بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: 5/ 157] يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله]}؛ فما يمنعك أن لا تقاتل (67) كما ذكر الله في كتابه؟! فقال: يا ابن أخى! أغتر بهذه الآية ولا أقاتل؛ أحب إلي من أن أغتر بهذه الآية التى يقول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} إلى آخرها. قال: فإن الله يقول (وفى رواية عنه: أتاه رجلان فى فتنة ابن الزبير (68)، فقالا: إن الناس قد صنعوا (69) وأنت ابن عمر وصاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعنى أن الله حرم دم أخى. فقالا: ألم يقل الله): {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}؟ قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن فى دينه؛ إما يقتلوه؛ وإما يوثقوه (وفى رو
اية: يعذبوه)، حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة [وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله].
فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد؛ قال: فما قولك فى على وعثمان؟ قال: ابن عمر: ما قولى فى على وعثمان؟ أما عثمان؛ فكان الله قد عفا عنه، [وأما أنتم]؛ فكرهتم أن يعفو عنه، وأما على؛ فابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وختنه -وأشار بيده- وهذه ابنته -أو بنته- (وفي رواية: هذا بيته) حيث ترون.
(ومن طريق سعيد بن جبير قال: خرج علينا -أو إلينا- ابن عمر، فقال رجل: كيف ترى فى قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدرى ما الفتنة؟ كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك).
في هذا الحَديثِ الجَليلِ شَبَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الإسلامَ ببِناءٍ مُحكَمٍ، وشبَّه أركانَه الخَمسةَ بقواعدَ ثابتةٍ مُحكَمةٍ حاملةٍ لذلك البُنيانِ، فلا يثبُتُ البنيانُ بدُونِها، وبقيَّةُ خِصالِ الإسلامِ كتتمَّةِ البُنيانِ، وأوَّلُ هذه الأركانِ: الشَّهادتانِ؛ شَهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وهُما رُكنٌ واحدٌ؛ لكَونِهما مُتلازمتَينِ لا تنفَكُّ إحداهُما عن الأخرى. ومعنى الشَّهادتينِ: أنْ يَنطِقَ العبدُ بهما مُعترفًا ومُقِرًّا بوَحدانيَّةِ اللهِ واستحقاقِه للعِبادةِ وحْدَه دونَ ما سِواهِ، وبرِسالةِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، مُصدِّقًا بقلبِه بهما، مُعتقدًا لمعناهما، عامِلًا بمقتضاهُما؛ هذه هي الشَّهادةُ الَّتي تنفعُ صاحبَها في الدَّارِ الآخِرةِ، فيفوزُ بالجنَّةِ، وينجو مِن النَّارِ. والرُّكنُ الثَّاني: هو إقامةُ الصَّلاةِ، ويعني: المحافظةَ على أداءِ الصلَواتِ الخَمسِ المَفروضاتِ في اليومِ واللَّيلةِ، وهي: «الفَجْر، والظُّهر، والعَصْر، والمغرِب، والعِشاء» في أوقاتِها، بشُروطِها وأركانِها وواجباتِها. والرُّكنُ الثَّالثُ: إخراجُ الزَّكاةِ المفروضةِ، وهي عِبادةٌ ماليَّةٌ واجِبةٌ في كُلِّ مالٍ بلَغَ المِقدارَ والحدَّ الشرعيَّ، وحالَ عليه الحَوْلُ -وهو العامُ القمَريُّ أو الهِجريُّ- فيُخرَجُ منه رُبُعُ العُشرِ، وأيضًا يَدخُلُ فيها زَكاةُ الأنعامِ والماشيةِ، وزَكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، وعُروضِ التِّجارةِ، وزكاةُ الرِّكازِ، وهو الكَنزُ المدفونُ الَّذي يُستخرَجُ مِنَ الأرضِ، وقيل: المعادِنُ، بحَسَبِ أنْصابِها، ووقتِ تزكيتِها. وفي إيتاءِ الزَّكاةِ على وَجهِها لِمُستحِقِّيها زِيادةُ بَرَكةٍ في المالِ، وجَزيلُ الثَّوابِ في الآخرةِ. وللبُخلِ بها ومَنعِها مِن مُستحقِّيها عواقبُ وخيمةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، بيَّنَتْها نُصوصٌ كثيرةٌ في القُرآنِ والسُّنةِ، وهي تُصرَفُ لِمُستحقِّيها المذكورينَ في قولِه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].والرُّكنُ الرَّابع: الحجُّ، ويكونُ بقَصدِ المشاعرِ المقدَّسةِ لإقامةِ المناسِكِ، تعبُّدًا لله عزَّ وجلَّ، مرَّةً واحدةً في العُمُرِ، ويَلزَمُ لوُجوبِه: القُدرةُ والاستطاعةُ الماليَّةُ والبَدنيَّةُ. والرُّكنُ الخامسُ -وهو آخِرُ الأركانِ-: صومُ رمضانَ، وهو عِبادةٌ بدنيَّةٌ، والصِّيامُ يعني: الإمساكَ، بنيَّةِ التعبُّدِ، عن الأكْلِ والشُّربِ وغِشيانِ النِّساءِ، وسائرِ المُفطِّراتِ، مِن طلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ.
وفي الحديثِ: دَلالةٌ على أنَّ أركانَ الإسلام تنقسمُ إلى أربعة أقسامٍ، منها: ما هو عمَلٌ لِسانيٌّ قلبيٌّ، وهو الشَّهادتانِ؛ إذ لا بدَّ فيهما مِن نُطقِ اللِّسانِ، وتَصديقِ الجَنانِ، ومنها: ما هو عمَلٌ بدَنيٌّ، وهو الصَّلاةُ والصَّومُ، ومنها: ما هو ماليٌّ محضٌ، وهو الزَّكاةُ، ومنها: ما هو عمَلٌ بدَنيٌّ ماليٌّ، وهو الحَجُّ.