[باب] {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية
بطاقات دعوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}؛ شق ذلك على المسلمين؛ حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف، فقال: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}؛ قال: فلما خفف الله عنهم من العدة؛ نقص من الصبر بقدرما خفف عنهم.
[قال سفيان: وقال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا].
النَّسْخ في الأحكامِ -وهو العَملُ بحُكْمٍ جَديدٍ بعْدَ حُكْمٍ سابقٍ- له حِكمٌ عَظيمةٌ مِن اللهِ سُبحانه وتعالَى؛ فهو الخالقُ الذي قَضى الحُكْمَ الأوَّلَ والثَّانيَ، فقَضى هذا في وَقتٍ، وهذا في وقْتٍ لحِكمةٍ بالغةٍ، وعِلْمٍ منه سُبحانه وتعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يذكُرُ عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه لَمَّا نزل قَولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ...} [الأنفال: 65]، كُتِبَ وفُرِضَ على المُسلِمين أَلَّا يَفِرَّ واحدٌ منهم عند مُواجَهةِ عَشَرَةٍ من غيرِ المُسلِمين في قِتالٍ.
وقال سُفْيَانُ بنُ عُيَينةَ -أحدُ رُواةِ الحديثِ- أكثَرَ مِن مرَّةٍ: «ألَّا يَفِرَّ عِشرون مِن مِائتين»، وهو المعنى السَّابِقُ نفْسُه لكنَّه اللَّفْظُ الموافِقُ للآيةِ، أي: إنَّ سُفيانَ كان يَرويه بالمَعْنَى، وتارةً يَرْويه باللَّفظِ الذي وقَعَ في القرآنِ؛ مُحافظةً على التِّلاوةِ، وهو الأكثرُ.
ثمَّ نزَلَ قولُ اللهِ تعالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]، ففَرَضَ اللهُ عليهم ألَّا يفِرَّ مِائةٌ مِن مِائتينِ، أيْ: لا يفِرُّ واحدٌ مِن اثنَينِ.
ومعنى الآية: لقد فرَضْنا عليكم -أيُّها المؤمِنون- أوَّلَ الأمرِ أن يَثبُتَ الواحِدُ منكم أمامَ عَشَرةٍ مِنَ الكافِرينَ، والآن وبعد أن شَقَّ عليكم الاستمرارُ على ذلك، ولم تَبْقَ هناك ضرورةٌ لدوامِ هذا الحُكمِ لكثرةِ عَدَدِكم، شَرَعْنا لكم التخفيفَ رحمةً بكم، ورعايةً لأحوالِكم، فأوجبنا عليكم أن يَثبُتَ الواحِدُ منكم أمامَ اثنين من أعدائِكم بدلًا من عَشرةٍ، وبشَّرْناكم بأنَّه إن يوجَدْ منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين من أعدائِكم، وإن يوجَدْ منكم ألفٌ يَغْلبوا ألفين منهم بإذنِ اللهِ وتيسيرِه وتأييدِه، واللهُ تعالى مع الصَّابرين بتأييدِه ورعايتِه ونَصْرِه، فاحرِصوا على أن تكونوا من المؤمِنين الصَّادقين؛ لتنالوا منه سُبحانَه ما يُسعِدُكم في دُنياكم وآخِرَتِكم.
وزاد سُفيانُ بن عُيَينة مرَّةً: نزلَتْ: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ...} [الأنفال: 65]، وهو التَّخفيفُ السَّابقُ ذِكرُهُ. والمراد أن سفيان حدث بالزيادة مرة، ومرة بدونها.
وفي الحَديثِ: بَيانُ رَحمةِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى بالمؤمنِين.
وفيه: حَثُّ المسلمِ على الصَّبرِ عِندَ قِتالِ الأعداءِ.