باب قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين}
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنى أبو بكر -فى تلك الحجة [التي أمره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع 2/ 164]- فى مؤذنين بعثهم يوم النحر؛ يؤذنون بمنى أن لا يحج [ـن 5/ 203] (وفى رواية: ألا لا يحج) بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
[ويوم الحج الأكبر: يوم النحر، وإنما قيل: الأكبر؛ من أجل قول الناس الحج الأصغر. فنبذ أبو بكر إلى الناس فى ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذى حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك 4/ 69].
(وفى رواية: فكان حميد يقول: يوم النحر: يوم الحج الأكبر؛ من أجل حديث أبى هريرة).
قال: حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعلى بن أبى طالب، وأمره أن يؤذن بـ {براءة}.
قال أبو هريرة: فأذن معنا على يوم النحر فى أهل منى بـ {براءة}، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
كان المشركون يَحُجُّونَ كلَّ سَنةٍ، وكان بعضُهم يَطوفُ بِالبيتِ عُريانًا، فلمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ أمَرَ نَبِيَّه أنْ يَمْنَعَ كُلَّ أفْعالِ الجاهِلِيَّةِ حَوْلَ البَيْتِ، وأنْ يُعْلِنَ البَراءَةَ مِنَ الشِّرْكِ والمُشرِكينَ، وقد أمَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه على الحَجَّاجِ في العامِ التاسِعِ من الهِجرةِ، وهي الحجَّةُ الَّتي قبْلَ حجَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمره أن يُعلِنَ في النَّاسِ هذه المبادئَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه قد أرسل جماعةً -منهم أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه- يومَ النَّحرِ يُعلِمونَ النَّاسَ ويُنادونَ فيهم ألَّا يَقرَبَ البيتَ الحرامَ بعْدَ هذا اليومِ مُشرِكٌ، وألَّا يَطوفَ بِالبيتِ عُريانٌ. ويومُ النَّحرِ هو يومُ عيدِ الأضحى، وهو اليومُ العاشِرُ من ذي الحجة. ومِنًى: وادٍ قُرْبَ الحَرَمِ المَكِّيِّ يَنزِلُه الحُجَّاجُ لِيَرمُوا فيه الجِمارَ.
وأخبر أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعث عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه بعْدَ أبي بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه يَقرَأُ على النَّاسِ سُورةَ بَراءةَ؛ لِيَنْقُضَ عهْدَ المشركينَ، و(بَراءةُ) هي سُورةُ التَّوبةِ، وأنْ يُناديَ أيضًا بمِثلِ ما بُعِثَ به أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه، فأذَّن عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه معهم يومَ النحرِ بسُورةِ براءة، وبمِثْلِ ما أذَّنَ أبو هُرَيرةَ وأصحابُه بأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولَا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيَانٌ.
وكان صَدْرُ سُورةِ التوبةِ قد أُنزِلَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد خروجِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بالحُجَّاجِ إلى مكَّةَ، فبعث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليَّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه نائبًا عنه يتلوها على النَّاسِ، وقيل: كان مِن عَادةِ العربِ أنْ يقومَ بإبْرامِ العُهودِ أو نقْضِها سيِّدُ القَوْمِ، أو مَن ينُوبُ عنه مِن قَرابَتِه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ومَنْقَبةٌ لأبي بَكرٍ وعليِّ بْنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنهما.
وفيه: أنَّ مَوسِمَ الحجِّ تَبرُزُ فيه المُفاصَلةُ التَّامَّةُ مع أهلِ الشِّركِ والكُفرِ.